“إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” من آثار أسماء الله تعالى العليم، عالم الغيب وعلام الغيوب الحلقة السابعة والخمسون ناصر عبد الغفور

تتمة (ما يلزم من اختصاص الله تعالى بعلم الغيب)
6- مراقبة الله تعالى في السر والعلن:
ليس المقصود من ذكر أسماء الله الحسنى مجرد حفظها أو سردها ولكن الغاية العظمى والهدف الأسمى من ذلك التعبد بها، كما قال تعالى: “وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا”، فلا بد أن يكون لكل اسم عبودية خاصة سواء على القلب أو الجوارح.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة: “فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، فعلم العبد بتفرد الربّ تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه.. وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنا ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح” .
فمن أعظم ثمرات الإيمان باسم الله العليم مراقبته سبحانه في السر والعلن، فيجتهد العبد في سلامة قلبه كما يجتهد في سلامة جوارحه، فالعبد الذي يؤمن بهذا الاسم حق الإيمان، لا بد أن يكون سليم القلب، لأنه يعلم أن الله مطلع على قلبه عليم بكل أسراره وخفاياه، كما قال تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم: “رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ” (إبراهيم:38)، وقال تعالى: “وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ” (الأحزاب:51)،و قال جل وعلا: “وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ” (النمل:25)، ولو لم يكن من ثمرات الإيمان باسم الله العليم إلا هذه الثمرة لكفى، وما ذلك إلا لعظم شأن القلب، فالنجاح أو الخسران منوط به، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم..” (ص ج:2743)، وقال تعالى: “يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “فالسليم الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له.. فإنه ضد المريض والسقيم والعليل، وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم والأمر الجامع لذلك أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه..” .
وما ذلك إلا لعلم صاحبه بأن الله عليم به مطلع عليه، وسلامة القلب تتضمن مجموعة أمور:
أ- سلامته من الغل والحقد والحسد، فإن العبد الذي أيقن بعلم الله الشامل سلم قلبه من كل هذه الخصال الذميمة وكان صافيا نقيا، لأنه يعلم أن الله تعالى حكيم في كل أقداره، فيسكن ويطمئن ويرضى بقضاء الله وقدره ويقنع بعطاء الله ولا يجزع من منع الله.
ب- سلامته من أمراض الكبر والخيلاء: إن من صور سلامة القلب خلوه من كل كبر أو خيلاء، حيث تجد صاحبه يستحي من أن يطلع الله على قلبه فيجده متلبسا بهذه الصفات القبيحة التي لا تليق به كمخلوق ضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، لو وكله الله إلا نفسه طرفة عين لهلك، فكيف يتكبر على غيره.
ت- سلامته من خطرات السوء: وهذه -وإن غفل عنها الكثيرون إلا من رحم الله- من أهم آثار الإيمان باسم العليم، فتجد العبد يجاهد في سلامة قلبه من كل خاطرة قد تكون سببا في هلاكه -عياذا بالله-، كلما خطرت على قلبه خاطرة فاسدة يجد في صرفها عنه ولا يسترسل معها، لأن الخواطر بريد الخطوات، وكم من معصية اقترفت ومن حرمة انتهكت ومن زلة وقعت بسبب خاطرة بالقلب مرت فلما لم تدفع استقرت فصارت فكرة أشربها القلب فاشتهت النفس وتمنت، ولم تزل بصاحبها حتى سقطت قدمه وزلت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *