حصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحتها ومشروعيتها

من المفاهيم الخاطئة للقواعد التي سطرها العلماء ما فهمت به قاعدة: “الوسائل لها أحكام المقاصد” ذلك أن كثيرا من الناس يزعم إباحة أمور ومشروعيتها مع أنها من المحرمات أو المبتدعات بدعوى أن القصد منها حسن أو الغرض منها طاعة الله وعبادته!!

ومكمن الخطأ في هذا الباب: الغفلة أو الجهل بأن: “جماع الدين ألا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، ولا نعبده بالبدع” الفتاوي 11/585.
فتبين أن ما كان من المقاصد محمودا شرعا فالناس مأمورون بتحصيله بالطريق الشرعي فتأمل.
هذا على أن قاعدة “الوسائل لها أحكام المقاصد” ليست بمطردة كما كشف عن ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال: “..لا يلزم ذلك (أي أن يكون للوسائل حكم المقاصد) فقد يكون الشيء مباحا بل واجبا ووسيلته مكروهة كالوفاء بالطاعة المنذورة –هو واجب- مع أن وسيلته -وهو النذر- مكروه منهي عنه، وكذلك الحلف المكروه مرجوح مع وجوب الوفاء به أو الكفارة، وكذلك سؤال الخلق عند الحاجة مكروه ويباح له الانتفاع بما أخرجته له المسألة، وهذا كثير جدا.
فقد تكون الوسيلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم لأجلها وما جعلت وسيلة إليه ليست بحرام ولا مكروه”. المدارج 1/116.
وعليه فلا يجوز اعتقاد مشروعية طريق من الطرق لمجرد أنه محقق للمقصود الشرعي، بل الجواز متوقف على إذن الشارع أو يقال: إذا أمكن تحقيق المقصود الشرعي بأي طريق من الطرق لا يدل هذا على أن الطريق المسلوك مباح، بل العبرة بمدى موافقته للشرع.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: “فليس لأحد أن يسلك إلى الله إلا بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته فهو الداعي إلى الله بإذنه الهادي إلى صراطه الذي من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار فهو الذي فرق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي” الفتاوي 11/586.
إذن “فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحا فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته.. فهذا أصل يجب اعتباره..” الفتاوي 1/264-265.
ومن الأدلة على صحت هذا الذي قرره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له” أخرجه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني رحمه الله تعالى غاية المرام رقم 376.
ووجه الدلالة منه: أن إدخال السرور على المسلم أمر محمود شرعا، ولا يعني هذا جواز الكذب من أجله بل يدخل السرور عليه بطريق مأذون به شرعا.
ومن أمثلة ما ذكرناه: تشنيع السلف والعلماء على القصاص الذين اتخذوا طريقة لترغيب وترهيب الناس لم يكن عليها السلف الصالح.
أخرج ابن وضاح رحمه الله تعالى في البدع والنهي عنها عن معاوية بن قرة أنه قال: “كنا إذا رأينا الرجل يقصُّ قلنا: هذا صاحب بدعة”.
وفيه أيضا أن عمر بن العلاء اليماني سأل سفيان الثوري فقال: يا أبا عبد الله أستقبل القاص؟ فقال سفيان: وَلُّوا البدع ظهوركم.
وقال الطرطوشي رحمه الله: “قال علماؤنا: لم يقصَّ في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر” الحوادث والبدع 228.
ومن الأمثلة كذلك إنكار العلماء والأئمة للسماع المجرد وهو: تلحين بعض القصائد والترنم بها بقصد إصلاح القلوب، وهداية الضال، وجذب المعرض عن الذكر إلى الخير والصلاح.
قال شيخ الإسلام رحمه الله عن هذا السماع: “فأما سماع القاصدين لصلاح القلوب في الاجتماع على ذلك: إما نشيد مجرد، نظير الغبَّار، وإما بالتصفيق ونحو ذلك، فهو السماع المحدث في الإسلام، فإنه أحدث بعد ذهاب القرون الثلاثة الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم” الفتاوي 11/591.
وقال الشافعي رحمه الله عن ذلك: “تركت بالعراق شيئا يقال له: التغبير، أحدثه الزنادقة، يصدون الناس به عن القرآن” ذم ما عليه مدعو التصوف لابن قدامة ص:7.
وقال أبو الحارث: سألت أبا عبد الله -أي الإمام أحمد- عن التغبير، وقلت: إنه ترق عليه القلوب. فقال: هو بدعة. نفسه

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *