التوحيد الخالص: (20)، توحيد الألوهية

الاستعاذة
تعريف: العوذُ: الملجأ، عاذ به عوذا وعياذا: التجأ إليه.
تعوَّذَ به: لجأ إليه واعتصم، واستعاذ به: تعوذ.
قال الفيروزبادي:العَوْذُ الالتجاء، كالعِياذِ والمَعاذِ والمَعاذَةِ والتَّعَوُّذِ والاسْتِعاذَةِ([1]).
واصطلاحا: هي الالتجاء والاعتصام بالله تعالى على سبيل التعبد والتقرب من شر كل ذي شر.
قال العماد ابن كثير في تفسيره عند كلامه عن الاستعاذة: “الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي:

يـــا من ألوذ به فيما أؤمله … ومـــن أعوذ به ممن أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره … ولا يهيضون عظما أنت جابره”

أنواع الاستعاذة:
1- الاستعاذة بالله تعالى وهي المتضمنة لكمال الافتقار إليه والاعتصام به واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شيء حاضر أو مستقبل، صغير أو كبير.. ودليلها قوله تعالى:) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ).. [الفلق:2] وقوله تعالى : )قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ).. [الناس:1-4].
2- الاستعاذة بصفة من صفاته؛ ككلامه وعظمته وعزته ونحو ذلك؛ ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق” رواه مسلم.
وقوله: “أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي” رواه أحمد والنسائي.
وقوله: في دعاء الألم “أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر” رواه أبو داود وابن ماجة
وقوله: “أعوذ برضاك من سخطك”رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى: )قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) [الأنعام:الآية65] فقال: “أعوذ بوجهك”رواه البخاري.
3- الاستعاذة بالأموات أو الأحياء غير الحاضرين القادرين على العوذ فهذا شرك ومنه قوله تعالى: )وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإْنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) [الجـن:6]
قال ابن كثير: “أي: كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس؛ لأنهم كانوا يعوذون بنا، أي: إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليتها.
يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان، أن يصيبهم بشيء يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) أي: خوفا وإرهابا وذعرا، حتى تبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم، كما قال قتادة: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) أي: إثما، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة.
وقال الثوري، عن منصور عن إبراهيم: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أي: ازدادت الجن عليهم جرأة.
وقال السدي: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضَرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال: فإذا عاذ بهم من دون الله، رَهقَتهم الجن الأذى عند ذلك. ([2])
4- : الاستعاذة بما يمكن العوذ به من المخلوقين من البشر أو الأماكن أو غيرها فهذا جائز ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر الفتن: “من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليَعُذ به” متفق عليه.
وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا الملجأ والمعاذ بقوله: “فمن كان له إبل فليلحق بإبله” الحديث رواه مسلم، وفي صحيحه أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة. رواه مسلم
وفي صحيحه أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث” رواه مسلم.
ولكن إن استعاذ من شر ظالم وجب إيواؤه وإعاذته بقدر الإمكان، وإن استعاذ ليتوصل إلى فعل محظور أو الهرب من واجب حرم إيواؤه.([3])
فالحاصل أن الاستعاذة عبادة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، فيجب صرفها له دون سواه كالأموات والعجزة الذين لا يملكون لأنفسهم  -فضلا عن غيرهم-  نفعا ولا ضرا، فصرفها لهم والحالة هذه شرك بالله سبحانه وتعالى، كفعل كثير من الناس الذين يعوذون بالأموات، ممن يسمونهم الأولياء والصالحين، ولئن كانوا كذلك فإن ذلك يكون في حياتهم وهم بعد موتهم قد انقطعت أعمالهم، وهم أفقر إلينا منا إليهم لأننا ننفعهم بالدعاء، وهم لا ينفعوننا أبدا، وصلاحهم ليس بمسوغ أبدا لعبادتهم  فإن العبادة لا تُصرف إلا لله وحده.
والله الموفق.
 
([1]) – القاموس المحيط
([2]) – تفسير القرآن العظيم
([3]) –شرح الأصول الثلاثة وانظر معجم ألفاظ العقيدة، ص:35

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *