الصبر على حفظ اللسان في زمن الفتن خاصة

اللسان من أخطر خلق الله جل وعلا في جسم الإنسان ولذا قال تعالى منبها عباده إلى ذلك: “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً”
وقد كان العلماء قديما يقولون عن اللسان: جِرمه صغير, وجُرمه كبير.
فأيسر حركات الجوارح حركة اللسان, وهي أضرها على العبد.
ومن ثم قالوا يجب على العبد أن يكف لسانه, وأن يحفظ منطقه، من الخوض في كل باطل في جميع الأوقات وعند مختلف الأحوال.
قال الإمام النووي رحمه الله: “اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام, إلا كلاما تظهر المصلحة فيه, ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام, أو مكروه, بل هذا كثير غالب في العادة والسلامة لا يعدلها شيء” الأذكار 516.
ويتأكد حفظ اللسان وصون المنطق زمن الفتن وعند ظهور المحن والفتن ففيها يكثر القال والقيل, وكل كلام عليل, وتكثر الشائعات والأباطيل, ويقل الكلام بالعلم والتأصيل.
قال ابن بطة رحمه الله: “إن هذه الفتن والأهواء قد فضحت خلقا كثيرا، وكشفت أستارهم عن أصول قبيحة, فإن أصون الناس لنفسه أحفظهم للسانه, وأشغلهم بدينه, وأتركهم لما لا يعنيه” الإبانة الكبرى.
قال عليه الصلاة والسلام: “إذا رأيت الناس مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم وكانوا هكذا ـ وشبك بين أنامله ـ فالزَم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بخاصة أمر نفسك، ودع عنك أمر العامة” اهـ، صحيح الجامع (563).
قال صاحب “عون المعبود” (11/334): “(وأملك) أمر من الإملاك بمعنى الشدة والإحكام، أي أمسك (عليك لسانك) ولا تتكلم في أحوال الناس كيلا يؤذوك” اهـ.
وقال المناوي رحمه الله: “(وأملك) بقطع الهمزة وكسر اللام (عليك لسانك) أي احفظه وصنه، ولا تخيِّره إلا فيما لك لا عليك، وامسكه عما لا يعنيك” اهـ، فيض القدير (1/353).
فهذا الحديث يبين ضرورة حفظ اللسان وكفه ـ عند تغير أحوال الناس خاصة ـ عن كل ما لا يعني المرء وما لم يتحققه ويتبين منه، فضلا عن إمساكه عن كل باطل، ففي ذلك السلامة والنجاة كما بينه نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك” اهـ، صحيح الترغيب والترهيب.
قال المباركفوري رحمه الله: “قوله (ما النجاة) أي ما سببها (قال: أمسك عليك لسانك) أمر من الملك..
قال الطيبي أي: احفظه عما لا خير فيه.
وقال صاحب “النهاية” أي: لا تخيِّره إلا بما يكون لك لا عليك” اهـ (تحفة الأحوذي 7/74).
” ففي اللسان آفتان عظيمتان إن خلص العبد من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه، والمتكلم بالباطل ناطق عاص لله وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط وهم أهل الصراط المستقيم، كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة” من كلام ابن القيم رحمه الله في “الجواب الكافي” بتصرف يسير (110).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *