لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل على عموم المسلمين، فهم الذين رافقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وحموه ودافعوا عنه، واسترخصوا في سبيل ذلك أنفسهم وأموالهم وأهليهم.. وهم الذين”عَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ”.. وهم الذي حفظ الله بهم دينه، حتى بلغوه لنا كما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا سلمت قلوب أهل السنة وأتباع السلف من بغضهم، وسلمت ألسنتهم من الكلام عنهم بسوء والوقيعة فيهم، بل إن غاية مُنَاهم بعد رؤية وجه الله الكريم يوم القيامة، ومرافقة نبيه صلى الله عليه وسلم، لقاؤهم والاجتماع بهم.. فقد تاقت قلوب أهل السنة إليهم واشتاقت نفوسهم لرؤيتهم والاجتماع بهم، فنسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم جزاء المحبة لهم، فإنهم لن يكونوا إلا في الجنة بإذن الله.. ليس هذا تأل على الله ولا قولا عليه بغير علم ولكنه موعود ربنا سبحانه وتعالى “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً”، فقد قال سبحانه: “لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا، وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” الحديد.
قال ابن جزي الغرناطي المالكي رحمه الله تعالى: “أي كل واحدة من الطائفتين الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح وبعده؛ وعدهم الله الجنة” التسهيل لعلوم التنزيل.
وقال تعالى: “لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” الحشر.
فهذا الذي رغب الله فيه كل من جاء بعد الصحابة رضوان الله عليهم؛ أن يستغفر لنفسه ولهم، وأن يطهر قلبه من الغل لهم والحقد عليهم.. ورضي الله عن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حيث قالت لعروة بن الزبير رضي الله عنه: “يا ابن أختي! أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فَسَبُّوهُم” مسلم.
وقال تعالى: “وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ” التوبة.
قال ابن كثير: “فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم، أوسبَّهم، أو أبغض أوسبَّ بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني: الصديق الأكبر، والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم، ويسبونهم، عياذاً بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة، فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون.”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: “من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 3340.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: “لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة” السنة لابن أبي عاصم1006.
إن أهل الحديث وضعوا سياجا منيعا حول أعراض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اجتاز هذا السياج فإنه لا ينال إلا الويل والثبور، ولهذا صدَّ أهل السنة عدوان الروافض على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذروا منهم وكشفوا عوارهم…
قال التابعي الجليل عامر بن شرحبيل الشعبي:
“تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة،
سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟
فقالت: أصحاب موسى عليه السلام.
وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟
فقالوا: حواري عيسى عليه السلام.
وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟
فقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة.” الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 9/291ومنهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام 1/27-28.
إن الباحث المنصف لا يكاد يجد منهجا إلا وقد ولغ أصحابه من إناء الطعن في الصحابة، ولاسيما في هذا الزمان حيث تم ترويج هذه الباعة المشؤومة باسم البحث العلمي وحرية الفكر..
ولقد علم السلفيون أن الذين يتنقصون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم ويفترون عليهم ويجرحونهم ويطعنون في عدالتهم، من الروافض والخوارج والمعتزلة والمستشرقين والعلمانيين لا يقصدون الصحابة، وإنما غرضهم التشكيك في الإسلام ورد مصادره وهدم قواعده.
ولله در الإمام أبي زرعة الرازي الذي فطن لهذا الخطر فقال: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة” الكفاية في معرفة أصول علم الرواية للخطيب البغدادي 1/188.