حكم التكبير جماعة في العيدين وأيام التشريق عند علماء المالكية نبيل غزال

التكبير؛ تعظيم لله جل جلاه، وهو “أحد الكلمات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجئ في شيء من الأثر بدل قول الله أكبر، الله أعظم؛ ولهذا كان جمهور الفقهاء على أن الصلاة لا تنعقد إلا بلفظ التكبير، فلو قال: الله أعظم لم تنعقد به الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم”، ولهذا كان شعائرُ الصلاة والأذان والأعياد والأمكان العالية هو التكبير.

ويشرع التكبير في أيام ومواسم فاضلة كليلة العيد، وقبل صلاة العيد في الفطر من رمضان، لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وفي عشر ذي الحجة، وأيام التشريق بعد عيد الأضحى، لقوله سبحانه: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، وقوله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}.
والتكبير في هذه المواسم -كما بين أهل العلم- على ضربين: مطلق ومقيد.
1- مطلق: يُسن في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق. وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة (أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة) إلى آخر يوم من أيام التشريق (وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة)، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” رواه أحمد.
قال الإمام البخاري في صحيحه: “وكان عمر رضي الله عنه يكبّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبّر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً”.
2- مقيد: وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات المكتوبات. وأرجح أقوال أهل العلم، أنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى آخر يوم من أيام التشريق.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: “وأصح ما ورد فيه عن الصحابة، قول علي وابن مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى”.
وخلاصة الأمر، أنّ التكبير مشروع من أول يوم من ذي الحجة مطلقاً، ومشروع مقيداً عقب الصلوات الخمس من فجر يوم عرفة حتى عصر اليوم الأخير من أيام التشريق.
وصفة التكبير المشروع، أن كل مسلم يكبر لنفسه منفرداً ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به.
أما التكبير الجماعي كأن يرفع جماعة -اثنان فأكثر- الصوت بالتكبير جميعاً، يبدءونه جميعاً وينهونه جميعاً بصوت واحد وبصفة خاصة، هذا العمل لا أصل له ولا دليل عليه. فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”.
والأصل في العبادات التوقف؛ ولا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة. أما أقوال الناس وآراؤهم، فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية. وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات؛ وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي. (انظر فتوى العلامة ابن باز رحمه الله تعالى).
وقد وقع بيني وبين أحد الفضلاء نقاش بخصوص هذه المسألة؛ فاحتج علي بما أورده الجزيري صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في باب التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد، ظنا منه أن جامع الكتاب قد ذكر جواز التكبير جماعة بصوت واحد عقب الصلوات المفروضة؛ وعندما رجعت إلى الكتاب المذكور؛ لم أجد فيه ذكر التكبير ثلاث مرات بصيغة جماعية بعد الصلوات المفروضة. وإنما أورد جامِعُه ندب أو استحباب بعض فقهاء المذاهب الأربعة التكبير عقب الصلوات المفروضة.
علما أنه حتى إذا أورد بعض الفقهاء ذلك، فلا بد لهم من مستند شرعي يبنون عليه طرحهم، وإلا رد كلامهم جملة وتفصيلا، كما نص على ذلك علماء الأصول وغيرهم.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أذكر بكلمة عطرة للعلامة الحجوي رحمه الله تعالى رحمه الله قال فيها: “..وغالب هذه الكتب التي يفتى منها، سرد الفروع بدون دليل، إلا ما كان من الموطأ وشروحه والمدونة، وإني ليأخذني العجب عند مطالعة فتاوى المتأخرين، يأتون بالحكم موجها بتوجيه فكري ساذج من غير استدلال عليه بنص من نصوص المتقدمين، وهكذا فروع تجدها عند الزرقاني شارح خليل وغيره، وتجد الناس يتلقون ذلك بغاية الارتياح والقبول. ولو أن أحدا أفتى بكتاب أو سنة أو قياس لقامت القيامة ورفعت النعال إليه فإنا لله وإنا إليه راجعون..” نقلا عن كتاب “الفقيه عبد الواحد بن عاشر حياته وآثاره الفقهية” ص: 164، من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية سنة 1428هـ- 2007م.
هذا، على أن ما صنفه هؤلاء العلماء من الأهمية بمكان، وليس المقصود طرح كتبهم وهدم بنائها، وإنما القصد تعظيم الدليل والاحتجاج به وتقديم الكتاب والسنة على غيرهما.
وعلماء المالكية المعتبرين، عدوا التكبير جماعة دبر الصلوات أيام التشريق بدعة يجب تركها، والتمسك بما كان عليه السلف الصالح وهو التكبير فرادى.
جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل 5/283: “..وأما تكبير التشريق فكل يكبر لنفسه وليس يعتبر فيه للإمام؛ ألا ترى أنه لو ترك الإمام لكبر القوم وأما تكبير العيد فلا يكبروا إلا بتكبيره ؛ لأنهم في حال الصلاة معه لا يخالفونه فاعلم ذلك”.
وقال في موضع آخر 5/296: “..وقال في المدخل: فيسمع نفسه ومن يليه، وقال بعده أو فوق ذلك قليلا ولا يرفع صوته حتى يعقره؛ لأن ذلك محدث، والزيادة على ذلك حتى يعقر حلقه من البدع؛ إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ذكر ورفع الصوت بذلك يخرج عن حد السمت والوقار..
ولا فرق في ذلك أعني في التكبير بين أن يكون إماما أو مأموما أو مؤذنا أو غيرهما فإن التكبير مشروع في حقهم أجمعين على ما تقدم وصفه إلا للنساء فإن المرأة تسمع نفسها ليس إلا بخلاف ما يفعله بعض الناس اليوم فكأن التكبير إنما شرع في حق المؤذن ، فتجد المؤذنين يرفعون أصواتهم بالتكبير كما تقدم ، وأكثر الناس يستمعون لهم ولا يكبرون وينظرون إليهم كأن التكبير إنما شرع لهم وهذه بدعة محدثة ، ثم إنهم يمشون على صوت واحد وذلك بدعة ؛ لأن المشروع أن يكبر كل إنسان لنفسه ولا يمشي على صوت غيره”.اهـ
قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: ويكبر كل واحد وحده في الطريق وفي المصلى ، ولا يكبرون جماعة لأنه بدعة”. حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني.
وفي كتاب تنوير المقالة في شرح الرسالة: “قال: يسمع نفسه ومن يليه ويذكر كل واحد منهم في الطريق لا جماعة فإنه بدعة”.
قال ابن الحاج في المدخل: “لم يختلف قول مالك أن القراءة جماعة والذكر جماعة من البدع المكروهة”.
يتبين من مجموع هذه النقول عن علمائنا المالكية رحمهم الله تعالى، أن التكبير جماعة دبر الصلوات المفروضة أيام التشريق من عيد الأضحى وقبل عيد الفطر من البدع المحدثات، لأنه لم ينقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا فعله سلفنا الصالح، والمشروع هو أن يكبر كل إنسان جهرًا لنفسه ولا يمشي على صوت واحد؛ إلا إذا توافقت أصوات المكبرين من غير اتفاق، فلا حرج في ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *