خصائص النصوص الشرعية “النصوص الشرعية: الوحي كتابا وسنة” (النصوص الشرعية: شاملة، وثابتة، وعاصمة، وحاكمة، وعملية) رشيد مومن الإدريسي

جاء الإسلام في خاتمة الرسالات، ليكون دين الله الباقي الخالد إلى أن تقوم الساعة، ولتكون شريعته وعقيدته هي المهيمنة على حياة البشرية كلها كما قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ).
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله عند هذه الآية: “أي وأنزلنا إليك الكتاب الكامل الذي أكملنا به الدين، فكان هو الجدير بأن ينصرف إليه معنى الكتاب الإلهي عند الإطلاق، وهو القرآن المجيد،… وقوله: (بالحق) معناه أنزلناه متلبسا بالحق، مؤيدا به، مشتملا عليه، مقررا له، بحيث لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مصدقا لما تقدمه من جنس الكتب الإلهية  كالتوراة والإنجيل، أي ناطقا بتصديق كونها من عند الله، وأن الرسل الذين جاءوا بها لم يفتروها من عند أنفسهم.
وأما قوله: (ومهيمنا عليه( أي: على جنس الكتاب الإلهي، فمعناه أنه رقيب عليها وشهيد، بما بينه من حقيقة حالها في أصل إنزالها، وما كان من شأن من خوطبوا بها، من نسيان حظ عظيم منها وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي منها وتأويله، والإعراض عن الحكم والعمل بها، فهو يحكم عليها لأنه جاء بعدها..” تفسير المنار 6/340-341.
وقد شاء الله وأراد كونا وقدرا أن تكون فئات من الناس، بل ومن داخل صفوف المسلمين أنفسهم، تتغافل عن هذه الحقيقة، حقيقة هيمنة الدين على الحياة وقدرته على تسييرها وإسعاد البشرية بها، وتركن إلى مقرراتها وقواها العقلية المنحرفة لتحكم من خلالها على شرع الله ودينه (كتابا وسنة) تحت غطاء التجديد والانفتاح والتطوير، والمسايرة والملائمة والتنوير إلى غير ذلك من دسائس السفهاء، والدعاوى العمياء، وعبث الجهلاء.
وصح فيهم أنهم قوم “طافوا على أرباب المذاهب ففازوا بأخس المطالب، ويكفيك دليلا على أن هذا الذي عندهم ليس من عند الله ما ترى فيه من التناقض والاختلاف ومصادمة بعضه لبعض” (تضمين من كتاب الفوائد لابن القيم رحمه الله 112).
قال شارح الطحاوية: “وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته مع وجود النص، أو عارض النص بالمعقول فقد ضاهى إبليس حيث لم يسلم لأمر ربه حيث قال: )أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين(..” شرح الطحاوية 168.
وخلاصة آرائهم وما أنتجته بنيات أفكارهم التي يسعون إلى نشرها وتقريرها والدعوة إليها: إخضاع نصوص الوحيين للفصل القانوني أو المنطق الردي؛ إلى غير ذلك مما مرجعه إلى مجرد النظر العقلي،.. ثم ردها بعد دون حياء من الرب العلي.
إنها دعوى عريضة، وأباطيل شنيعة، تروجها النفوس المريضة، لإبعاد الناس عن الحق والبصيرة، وسلخهم عن الدين والشريعة..
قال قوام السنة الأصبهاني رحمه الله: “لا نعارض سنة النبي عليه الصلاة والسلام بالمعقول، لأن الدين إنما هو الانقياد والتسليم دون الرد إلى ما يوجبه العقل، لأن العقل ما يؤدي إلى قبول السنة، فأما ما يؤدي إلى إبطالها فهو جهل لا عقل” الحجة في بيان المحجة 2/509.
وللكشف عن سوء هذا الضلال العقلاني والباطل العصراني أقول: مما هو مقرر في الشريعة الغراء أن نصوص الكتاب والسنة هي الأساس الذي تستند إليها الأنظار والأفكار والآراء كما هو واضح عند العلماء، ومعلوم لدى العقلاء، وذلك لتميزها بجملة من الخصائص لا تتوفر في العقل و لا في المنطق خولت لها سداد الحكم، وصحة المرجعية، وإلزامية العمل، وكيف لا وهي الشرع الرباني الإلهي المنزل.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “الشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله  عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال، والسياسات والأحكام، والولايات والعطيات.
ثم هي مستعملة في كلام الناس على ثلاثة أنحاء: شرع منزل، وهو: ما شرعه الله ورسوله. وشرع متأول، وهو: ما ساغ فيه الاجتهاد. وشرع مبدل، وهو: ما كان من الكذب والفجور الذي يفعله المبطلون بظاهر من الشرع أو البدع أو الضلال الذي يضيفه الضالون إلى الشرع” الفتاوي 19/ 308-309.
وليعلم أن تقرير الاجتهاد في الشريعة هو فيما ساغ فيه ذلك كما هو بديهي معلوم وفق النصوص الشرعية، والقواعد المرعية، ممن حقق الملكة العلمية، دون تسيب يؤدي إلى الشرود، ولا سوء فهم يسبب الجمود.
وقد أجاد المودودي رحمه الله في معرض كلامه عن الاجتهاد في الشريعة وهو يرد على المتلاعبين بنصوص الوحيين حيث قال: “وليس معنى ذلك أن الإسلام كألعوبة في أيدي الأطفال، يجوز لكل من شاء من الناس أن يعبث بأحكامه وتعاليمه ويصدر فيها آراءه، كما هو الشأن في قضية أعلام المجتهدين وفتاويهم، ولو لم يكن قد بذل أدنى سعي في فهم القرآن والسنة والتبصر فيهما… وكيف نقبل في أمر الدين ادعاء هؤلاء القوم الذين يتكلمون فيه من غير معرفة بأصوله ومبادئه” نظرية الإسلام 244.
والمقصود أن أهل الحق -سلمهم الله من كيد الكائدين- يتمسكون بما نطق به الكتاب والسنة ويحتجون له بالحجج الواضحة والدلائل الصحيحة على حسب ما أذن فيه الشرع، وورد به السمع لما حظي به النقل من ميزات وخصائص نيرات تستوجب ذلك.
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله: “وأما أهل الحق، فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا الدين من قبلها، وما وقع من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه وشكروا الله تعالى حيث أراهم ذلك ووفقهم إليه، وإن وجدوه مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى الباطل” الانتصار لأهل الحديث 166-167.
فبناء على النظر في الأدلة الشرعية والأنظار العقلية الفطرية يتبين بجلاء أن نصوص الكتاب والسنة: شاملة، وثابتة، وعاصمة، وحاكمة، وعملية.
وعليه فالواجب التسليم للنقل والانقياد له، وتلقي خبره بالقبول والتصديق والإيمان والتطبيق، دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولا، أو نقابله بهوس أو شبهة، أو نقدم عليه آراء الرجال ونتاج عقولهم، ورحمة الله على إمامنا مالك لما قال في معرض تقرير منهج السلف الصالح: “والتسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدافع بقياس” الجامع لعبد الله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله 117.
وقال كذلك رحمه الله: “لا تعارضوا السنة وسلموا لها” مفتاح الجنة للسيوطي رحمه الله 41.
وقال الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله: “إن الصحابة ومن بعدهم لم يعارضوا ما جاء في السنن بآرائهم، علموا معناها أو جهلوه، جرى على معهودهم أو لا” الاعتصام 3/232.

وللبحث بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *