“فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا

 

قد أمر الله سبحانه بالخوف منه في قوله: “فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” آل عمران, فجعل الخوف شرطا في تحقيق الإيمان, مما يدل على أنه عبادة لله جل وعلا.
قال الناظم:
وخوفنا دليله قبل (النسا) *** بـ (آل عمران) أبن لمن أسا
ومعنى قوله “فَلاَ تَخَافُوهُمْ”: فلا تخافوا أولياء الشيطان, ولا يعظمن عليكم أمرهم، “وَخَافُونِ”: اتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، “إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” لأن الإيمان يقتضي أن يؤثر العبد خوف الله سبحانه على خوف غيره كما يحجزه ذلك عن مواقعة ما حرم.
قال أحد السلف: “لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا” المفردات للراغب 162.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: “الإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه ولا سيما إذا كان طالبا ما لم يحصل له, فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به, وتدفع به الغم والحزن عنها, وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه وبه, فيستريح إلى المحرمات من فعل الفواحش وشرب المحرمات وقول الزور” الفتاوي 1/54-55.
والخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة, ويضاد الخوف: الأمن, ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية, والخوف من الله لا يراد به ما يخطر على البال من الرُّعب, كاستشعار الخوف من الأسد, بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات.
والخيفة: الحالة التي عليها الإنسان من الخوف, كما قال تعالى: “فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى”.
والخوف أنواع:
الأول: الخوف الطبيعي, كالخوف من العدو أو الحية فهذا ليس بعبادة, ولا ينافي الإيمان كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: “فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ”, وهذا الخوف لا يلام عليه الإنسان إذا انعقدت أسبابه، أما إذا كان وهميا أو له سبب ضعيف فهو مذموم لأن صاحبه جبان.
الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه خوفا من الناس، كأن يترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوفا من الخلق فهذا خوف محرم.
الثالث: ما يسمى بخوف السر، وهو أن يخاف المرء من غير الله من وثن أو ولي بعيد عنه أن يصيبه بمكروه مثلا فمن تلبس بذلك فقد وقع في الشرك الأكبر وهو المقصود في قوله تعالى عن قوم هود: “إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ”.
الرابع: خوف تعبد وتعلق وهو أن يخاف أحدا يتعبد بالخوف له فيدعوه الخوف لطاعته, وهذا النوع هو خوف التعبد والتأله الذي يحمل على الطاعة والبعد عن المعصية وهذا خاص بالله تعالى, ومن صرفه لغيره فقد وقع في الشرك الأكبر كالنوع الذي سبق لأن الخوف من أعظم أنواع القلوب.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *