من المسائل المهمة التي يحتاج إليها، ويكثر السؤال عنها، مسألة: “بناء المراحيض فوق المساجد”، ولمعرفة الحكم في هذه المسألة نحتاج إلى الإجابة عن السؤال الآتي:
هل سطح المسجد وهواؤه من المسجد؛ فيكون لهما حكمه أم لا؟
فإن كانا من المسجد كان لهما حكم المسجد، ولم يجز قضاء الحاجة فيهما قطعا لوقوع الإجماع على تحريم قضاء الحاجة في المسجد، وإن لم يكن لهما حكم المسجد فالأصل هو الجواز.
فما حكم سطح المسجد وهوائه في المذاهب الأربعة؟
إليك أخي القارئ الجواب عن هذا السؤال، بدءًا بالمذهب المالكي لكونه المذهب الرسمي في بلدنا:
المذهب المالكي:
• قال ابن رشد: “لا اختلاف في أن لظهر المسجد من الحرمة ما للمسجد” .
• وقال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين: “اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات، وهواء الملك ملك، وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب…” .
فإذا كان للهواء والسطح حكم المسجد عند المالكية، فإنهم رحمهم الله قد منعوا من إدخال النجاسة إلى المسجد، بل إنهم منعوا من مجرد تعمد إخراج الريح في المسجد فما بالك بالبول والغائط؟!
• قال الشيخ خليل وهو يسرد ما يمنع فعله في المسجد: “كإخراج ريح ومكث بنجس” .
• قال الخَرَشِي شارحا كلام الشيخ خليل: “التشبيه في المنع، والمعنى أنه لا يجوز إخراج الريح في المسجد تعمدا… وأما خروج الريح فيه غلبة فإنه لا يحرم فالإخراج تعمد الخروج… وكذلك يحرم على الإنسان أن يمكث في المسجد بشيء نجس العين غير المعفو عنه لتنزيه المسجد عن ذلك” .
المذهب الحنفي:
• قال الكاساني: “ولو وقف على سطح المسجد واقتدى بالإمام: فإن كان وقوفه خلف الإمام أو بحذائه أجزأه، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه وقف على سطح واقتدى بالإمام وهو في جوفه؛ ولأن سطح المسجد تبع للمسجد، وحكم التبع حكم الأصل فكأنه في جوف المسجد…” .
• وقال: “…ولو حلف لا يدخل هذا المسجد فصعد فوقه حنث؛ لأن سطح المسجد من المسجد ألا ترى لو انتقل المعتكف إليه لا يبطل اعتكافه؟” .
• وقال السمرقندي فيمن حلف لا يدخل مسجدا: “قالوا: إذا صعد سطح المسجد يحنث، لأنه مسجد” .
وبناء على أن هواء المسجد وسطحه من المسجد منع الحنفية من قضاء الحاجة فيهما.
• قال الزيلعي فيما يحرم في المسجد: “(والوطء فوقه) أي: فوق المسجد، والبول، والتخلي؛ لأن سطح المسجد مسجد إلى عنان السماء؛ ولهذا يصح اقتداء من بسطح المسجد بمن فيه إذا لم يتقدم على الإمام، ولا يبطل الاعتكاف بالصعود إليه، ولا يحل للجنب والحائض والنفساء الوقوف عليه، ولو حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها يحنث، فإذا ثبت أن سطح المسجد من المسجد يحرم مباشرة النساء فيه لقوله تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة187، ولأن تطهيره من النجاسة واجب لقوله تعالى (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) البقرة125” .
المذهب الشافعي:
• قال النووي: “قال أصحابنا: ويصح الاعتكاف في سطح المسجد ورحبته بلا خلاف؛ لأنهما منه” .
• وقال الماوردي: “..فلو صلى المأموم في رحاب المسجد، أو مصطفا به، أو على سطحه، وكان عالما بصلاة إمامه فصلاته جائزة: لما روي أن أبا هريرة صلى على سطح المسجد بصلاة الإمام في المسجد، ولأن سطح المسجد ورحابه كالمسجد، بدليل أن الجنب ممنوع من اللبث في شيء منه” .
وإذا كان سطح المسجد من المسجد عند الشافعية فإنه لا يجوز عندهم البول في المسجد، وكذلك الصحيح عندهم تحريم البول في إناء داخل المسجد.
• قال النووي: ” يحرم البول، والفصد والحجامة في المسجد في غير إناء، ويكره الفصد والحجامة فيه في إناء ولا يحرم، وفى تحريم البول في إناء في المسجد وجهان، أصحهما يحرم” .
المذهب الحنبلي:
• قال ابن قدامة: “…ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد؛ لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا” .
• ولهذا قال صاحب “المطالب” في المسجد: “…(وَ) حَرُمَ (جماعٌ عليه)، أي: فوقه (خلافا لابن تميم)، حيث قال بكراهة الوطء فوق المسجد، (وَ) حَرُمَ (بَوْلٌ عليه)” .
الخلاصة:
يتبين مما سبق أن المذاهب الأربعة مجمعة على أن لهواء المسجد وسطحه حكم المسجد، وأنه يحرم فيه ما يحرم في المسجد من البول والغائط، ومعلوم أن المراحيض إنما تبنى لهذا الغرض، فيستنتج من مجموع هذه الأمور عدم جواز بناء المراحيض في سطح المساجد في المذاهب الأربعة. والله أعلم.