من أشراط الساعة التماس العلم عند الأصاغر

” الأصاغر الذين يقولون برأيهم، فأصغر يروي عن كبير فليس بصغير”
مما يصيب العلم في آخر الزمان تصدر الأصاغر له وتلقي الناس عنهم، والتماسه منهم كما في الحديث عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وقال: “إن من أشراط الساعة ثلاثا: أحداهن: أن يلتمس العلم عند الأصاغر..” رواه ابن المبارك في الزهد وهو في صحيح الجامع.
وهذا الحديث سيق للتحذير من أخذ العلم والتماسه من غير أهله لأنه من تضييع الأمانة ولذلك قال الحافظ في الفتح 1/94 عند شرح قوله عليه الصلاة والسلام: “فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة فقال السائل: كيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”: “ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم وذلك من جملة الأشراط ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة وكأن المصنف (أي: البخاري) أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر، تلميحا لما روي …أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر]”.
وعن عمر رضي الله عنه قال: “آلا وإن الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ولم يقم الصغير على الكبير فإذا قام الصغير على الكبير فقد” أي: هلكوا. جامع بيان العلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كبرائكم فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير” نفسه.
والأصاغر في الحديث السابق ذكره اختلف فيهم: من هم؟ على أقوال عدة:
أولا: أنهم أهل البدع، قال عبد الله بن المبارك: ” أتاهم العلم من قبل أصاغرهم يعني: أهل البدع” حاشية كتاب الزهد تحقيق الأعظمي وانظر فيض القدير 2/676.
ثانيا: أن المراد بالأصاغر أن يؤخذ العلم عمن بعد الصحابة ممن يقدم رأيه على رأيهم.
قال أبوا عبيد: “والذي أرى أنا في الأصاغر أن يؤخذ عمن كان بعد أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم ويقدموا ذلك على رأي أصحاب رسول الله صلى الهذ عليه وسلم وعلمهم فذلك أخذ العلم عن الأصاغر” جامع بيان العلم.
ثالثا: أن الأصاغر هم الذين لا علم عندهم فقد نقل ابن عبد البر رحمه الله عن بعض أهل العلم أنهم قالوا في الصغير: الذي يستفتى ولا علم عنده ولو كان كبير السن وأن الكبير هو العالم في أي سن كان، انظر جامع بيان العلم، ويشهد لهذا القول قوله عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: “إن لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”.
قال الحافظ في الفتح1/164: “في هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم”.
وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير عند شرح قوله عليه الصلاة والسلام: “البركة مع أكابركم” الصحيحة: “..وقد يكون الكبير في اللم أ, الدين فيقدم على من هو أسن منه”.
رابعا: أن المراد بالأصاغر من كان صغير السن، وهذا إذا استقل باستنباط الأحكام والفتيى وإلا إذا كان ينقل عن العلماء والأكابر بالفهم السديد فإنه يحمد ولا يذم، فلما سئل ابن المبارك رحمه الله: “من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم، فأصغر يروي عن كبير فليس بصغير” الزهد له 260.
والذي يظهر أن سائر هذه الأقوال صحيحة باعتبارات معينة ظاهرة ولذا فهذا الاختلاف من باب اختلاف التنوع والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *