في ظلال آية أبو يونس محمد الفرعيني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11).
قال السعدي في تفسيره (1/414): {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من النعمة والإحسان ورغد العيش {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها. وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة. اهـ.
وقال الشوكاني: والمعنى: أنه لا يسلب قوماً نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا الذي بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة، أو يغيروا الفطرة التي فطرهم الله عليها. (فتح القدير 4/92).
فإن سنن الله ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب:62). وقال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال:53).
إن الله لا يُغير ما بقوم من الكروب، حتى يغيروا ما بأنفسهم من الذنوب، فلا يكون التغيير إلا بعد التغيير، فبظلمنا وذنوبنا صبّت علينا المظالم والمكاره.
فما استجلبت نعم الله بمثل الطاعة، ولا اندفعت النقم بمثل الاستغفار والتوبة.
وكان من دعاء العباس إذا استسقى: “اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يرفع إلا بتوبة”.
ومما يؤكد هذا قول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء:16). فارتكاب المعاصي مؤذن بخراب الديار، والظلم يقوض بنيان المجتمع، ويوقع في الاضطراب والفتن، ولا بد للناس من توبة صادقة أفرادا وجماعات، فإن من الذنوب ما تعم عواقبها البر والفاجر كما قال صلى الله عليه وسلم: “إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب”.
ويقول تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} (الأنفال:25).
ولما سألت أم المؤمنين الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم، إذا كثر الخبث”.
فكم من ساكت عن منكر رآه، وكم من متزلف ومداهن لمن ألقمه وحشاه، وكم من بائع آخرته بدنياه أو بدنيا سواه، وكم من متخوض في مال الله يظن أنه منعم وهو -والله- مستدرج.
ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} (الأنعام:44).
قال الحسن: “مُكِر بالقوم وربِّ الكعبة؛ أُعطوا حاجتهم ثم أُخذوا”.
وقال قتادة:”بَغَتَ القومَ أمرُ الله، وما أَخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغِرّتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر إلا القوم الفاسقون”. اهـ.
قد ضرب الله مثل السوء لصاحب المال بالذي اغتر بماله وخرج على قومه في زينته و{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} (القصص:78).
فخسف الله به وبداره الأرض {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} (القصص:81).
وضرب مثلا لصاحب السلطان بالذي قال: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الزخرف:51). فأغرقه الله وأجراها من فوقه، جزاءً وفاقا.
وضرب مثلا لعالم السوء بالذي آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. قال: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} (الأعراف:176).
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّهَا *** ولَيُغْلَبَنَّ مُغَالبُ الغلاّبِ
فنسألك اللهم أن تستعملنا في طاعتك، وأن تثبتنا على سنة نبيك، ونهج صحابته الكرام، وإذا أردت بعبادك فتنة؛ فاقبضنا إليك غير مفتونين. لا حول ولا قوة إلا بك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *