فتح الرحمن في أصول حفظ القرآن ذ. رضوان شكداني

ينبغي أن يعلم أن القرآن الكريم هو حبْلُ الله المتين الموصل إليه، وصراطه المستقيم الدال عليه؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]، وقال -جلَّ وعلا-: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكْتُم به مِن بعدي لن تَضلُّوا: كتاب الله وسُنَّتي».
وقد سطرت أصولا تسهل على الطالب حفظ كتاب الله مما جال بخاطري وسبقت به تجربتي، وهذه الأصول كالآتي:
الأصل الأول: الإخلاص لله في الحفظ وعدم إرادة مطامع الدنيا بالقرآن، أو المباهاة به، أو التفاخر على الناس بالحفظ، فقد روى أبو داود (رقم: 3664) -بسند صحيح- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن تعلَّم علماً مما يُبتغَى به وجهُ الله -عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجدْ عَرْف الجنة يوم القيامة»، يعني: ريحها.
الأصل الثاني: ينبغي لطالب العلم الشرعي أن يبتدئ في مسيرة طلبه بحفظ القرآن، فهو أصل كل الفنون وأساس سائر العلوم والجامع لأصولها، إلا أن للعلماء تفصيلاً حسناً، وهو أن الأفضل لطالب العلم الشرعي الذي لم يصل إلى البلوغ هو أن يفرغ نفسه تماماً للقرآن وعلومه في البداية، ثم ينتقل إلى العلوم الشرعية الأخرى، وأما البالغ فإنه بعد الفاتحة وما تصح به الصلاة من القرآن يبدأ بالعلوم التي تتوقف عليها صحة عبادته.
الأصل الثالث: لابد من همة تحرك الطالب لحفظ كتاب الله، ومبعث هذه الهمة أن يعرف الفضائل الواردة في حفظ القرآن وتلاوته.
الأصل الرابع: استماع الجزء المراد حفظه من طرف الشيخ أو قارئ متقن قبل حفظه، والتسميع بقراءة ذلك الجزء على الشيخ، وذلك قصد الأمن من حفظ الغلط.
الأصل الخامس: الحفظ المنضبط ويكون بمراعاة الأمور التالية:
الأمر الأول: اختيار المكان المناسب الذي لا توجد فيه مشوشات تكدر على الحافظ، وأفضل الأماكن بيوت الله والمعاهد والمدارس والدور المخصصة للحفظ.
الأمر الثاني: اختيار الزمان الملائم، وذلك يختلف من شخص لآخر، لذلك ينبغي للحافظ أن يختار الوقت الذي تنشرح فيه نفسه للحفظ فيستغله ويغتنمه.
الأمر الثالث: اختيار ما يحفظ منه، وذلك إن كان يحفظ من المصحف بلزوم طبعة واحدة، لأن الصفحات تنطبع في الذهن، وتغيير الطبعات يشوش على ترتيبها.
الأمر الرابع: اختيار طريقة الحفظ المناسبة لكل شخص على حسبه، ومن هذه الطرق:
– الأولى: تكرار قراءة المقطع المراد حفظه من أوله إلى آخره، حتى يتم حفظه وضبطه.
– الثانية: تقسيم المقطع المراد حفظه حسب معاني الآيات ومضمونها، وحفظ كل جزء على حدى، ثم ربطه بالذي قبله.
– الثالثة: حفظ المقطع آية آية، وذلك بتكرار الآية مرات حتى يتم حفظها ثم الانتقال للآية التي بعدها، ثم ربط الأولى بالثانية بقراءتهما معا، ثم الانتقال للآية الثالثة، وهكذا حتى ينتهي من المقطع المراد حفظه.
الأصل السادس: الاستظهار على الشيخ بشكل مداوم يومي أو شبه يومي، كي لا يحصل تراكم المحفوظ ومن تم عدم القدرة على استظهاره.
الأصل السابع: المراجعة والتعهد، فلابد للطالب أن يجعل له وردا يوميا للمراجعة، يزيد هذا الورد بزيادة المحفوظ؛ ومما يتعهد به القرآن كذلك تلاوته في الصلوات الخمس والنوافل وقيام الليل.
الأصل الثامن: العلم بتجويده، وتعلم قواعد أدائه، وإقامة حروفه.
الأصل التاسع: معرفة تفسيره ومعانيه، لأن هذا يزيد من ترسيخ الحفظ وضبطه؛ ومن أفضل التفاسير المعينة في هذه المرحلة تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-.
الأصل العاشر: العمل به وإقامة حدوده كما ورد عن علي -رضي الله عنه- قوله: «هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل».
وفي الأخير، يجدر التنبيه على ضرورة اجتناب مثبطات الحفظ وعوائقه التي تفتح على النفس باب الكسل والخمول، و تجعل لها سابلة الأمل بلا عمل والتمني بلا تعني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *