لا يخفى على المسلمين ما حصل بين أهل البدع والتفرق من الخلاف في صفات الله عز وجل وأسمائه بعد زمان النبوة حيث صارت بعض الفرق تصف الله تعالى بما يوافق ما هي عليه من الأصول الفاسدة والقواعد البائدة، وبعضها يسلب عن الله عز وجل الأسماء الصفات التي لا تقبلها عقولهم وإن كانت ثابتة في نصوص الوحيين.
ومعلوم أن عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الأمر تقوم على الإقرار بما ثبت لله عز وجل من الأسماء والصفات ونفي ما ثبت نفيه من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.
قال يحيى بن يحيى: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: “يا أبا عبد الله، ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﭼ كيف استوى؟
فأطرق مالك رأسه، ثم علاه الرُحَضَاء ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يُخرج” رواه البيهقي واللالكائي وغيرهما.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله” وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات؛ فمن سأل عن قوله “ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ” كيف يسمع ويرى؟ أُجيبَ بهذا الجواب بعينه فقيل له: السمع والبصر معلوم، والكيف غير معقول وكذلك من سأل عن العلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرضا والرحمة والضحك وغير ذلك فمعانيها كلها مفهومة وأما كيفيتها فغير معقولة إذ تعقل الكيفية فرع العلم بكيفية الذات وكنهها فإذا كان ذلك غير معقول للبشر فكيف يعقل لهم كيفية الصفات ” مدارج السالكين 2/86.
وممن خرج عن هذه العقيدة صنفان من الناس:
أهل التشبيه والتمثيل: وهم قوم غلوا في إثبات صفات الله لدرجة قولهم إن الله لم يخاطبنا إلا بما نعلم وإن صفاته كصفاتنا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقد عُرف التشبيه عن”فرق الرافضة الأولى كالهشامية، والبيانية، والمغيرية، والجواربية، وقد انقرضت وكذلك الكرامية” دراسات في الأهواء والفرق والبدع للدكتور العقل ص 187.
أهل التعطيل: وهم قوم غلوا في تنزيه الباري عز وجل عن مشابهة المخلوقين، لدرجة جعلتهم يجحدون ويعطلون الأسماء والصفات الثابتة، كلها أو بعضها وفعلهم هذا ناجم عن توهمهم أن إثبات هذه الصفات والأسماء لله عز وجل يقتضي تشبيهه بالمخلوقين..
وقد بين هذه الشبهة الإمام السلفي أبو الحسن الأشعري رحمه الله فقال: “ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله: ” ﯤ” يدين ليستا نعمتين؟
فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة.
قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟ وإن رجعونا إلى شاهدنا، أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق، فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.
قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى فكذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما فاقضوا بذلك على الله -تعالى عن ذلك- وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقضين.
وإن أثبتم حيا لا كالأحياء منا فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين، ولا كالأيدي؟
وكذلك يقال لهم: لم تجدوا مدبرا حكيما إلا إنسانا ثم أثبتم أن للدنيا مدبرا حكيما ليس كالإنسان، وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد.” الإبانة عن أصول الديانة ص 110.
ولقد عصم الله أهل السنة و أتباع السلف من هذين الإنحرافين؛ التشبيه والتعطيل فكانوا وسطا في هذا الباب كما هم في غيره، وشعارهم في باب الأسماء و الصفات: إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، قال شيخ الإسلام: “فهم وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل الجحد والتعطيل، وبين أهل التشبيه والتمثيل، يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسله من غير تعطيل ولا تمثيل، إثباتا لصفات الكمال وتنزيها له عن أن يكون له فيها أنداد وأمثال إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل، كما ﭧ ﭨ “ﭡ ﭢ ﭣ ” رد على الممثلة، “ﭥ ﭦ ﭧ” رد على المعطلة” الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/71-72).
وقال: “ومذهب السلف بين مذهبين وهدى بين ضلالتين، إثبات الصفات ونفى مماثلة المخلوقات فقوله: “ﭡ ﭢ ﭣ” رد على أهل التشبيه والتمثيل وقوله: “ﭥ ﭦ ﭧ” رد على أهل النفى والتعطيل، فالممثل أعشى والمعطل أعمى الممثل يعبد صنما والمعطل يعبد عدما” (مجموع الفتاوى 5/196).