الهوى مصدر (هَوِيَهُ) إذا أحبه واشتهاه، ثم سُمي به (المَهْوِيُّ) المشتهى، محمودا كان أو مذموما، ثم غلب على غير المحمود فقيل: فلان اتبع هواه إذا أريد ذمه، وفي التنزيل: (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى)، ومنه فلان من (أهل الأهواء) لمن زاغ عن الطريقة المثلى من أهل القبلة.. “المُغَرَّب في ترتيب المُعَرَّب” للمطرزي ص555.
بل إن “كل من خرج عن موجب الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يُجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء، وذلك أن من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بأمر الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم” الاستقامة لشيخ الإسلام 2/224
قال الإمام الشاطبي: “ولذلك سُمِّىَ أهلُ البدع أهلَ الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها والتعويل عليها حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورا فيها من وراء ذلك” الاعتصام 2/176
من أخص خصائص أهل البدع المنحرفين عن الجادة والخراجين عن الصراط المستقيم اتباع الهوى قال تعالى في وصفهم: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الجاثية 23.
قال ابن كثير: “أي إنما يأتمر بهواه مهما رآه حسنا فعله، ومهما رآه قبيحا تركه..” تفسير القرآن العظيم.
قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) القصص 50.
فكل من رد نصوص الشرع بِغير دَلِيل وَلا حُجَّة فإنما يفعل ذلك اتباعا لهواه وتقديما له، ومن أضل عن طريق الرشاد وسبيل السداد الذي ارتضاها الله لكافة العباد ممن اتبع هوى نفسه بغير بيان من عند الله، وعهد منه سبحانه وتعالى، ويترك عهد الله الذي عهده إلى خلقه في وحيه وتنزيله. أنظر تفسير الآية من جامع البيان لابن جرير.
وقال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الأنعام 119.
قال الإمام القرطبي: “يقول تعالى ذكره: (وَإِنَّ كَثِيرًا) من الناس الذين يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم أيها المؤمنون بالله من الميتة ليضلون أتباعهم بأهوائهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلا ركوبا منهم لأهوائهم، واتباعا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداء وخلافا لأمر الله ونهيه، وطاعة للشياطين”.
قال ابن عون: “..إذا غلب الهوى على القلب استحسن الرجل ما كان يستقبحه” الشرح والإبانة 131.
فأهل البدع أصحاب أهواء، لأنهم يتبعون أهواءهم وأهواء منظريهم ممن سبقهم في الغي وتقدمهم في الضلال، وهم جميعا معرضون لوعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، يعني الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله..” رواه أحمد.
وقد يلبس الشيطان على صاحب الهوى، فيُشعره أنه إنما يتبع الحق وينصره ويصدر عنه؛ قال شيخ الإسلام: “وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين، أن الذي يرضى له ويغضب له، أنه السنة وهو الحق وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعا، أو لغرض من الدنيا، لم يكن لله ولم يكن مجاهدا في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة..” منهاج السنة 5/256.
ومن مظاهر اتباع الهوى السعي لإرضاء العامة، برفع شعاراتهم و”العزف على نغمتهم” وزعم التيسير عليهم، وإجابتهم بما يريدونه وتهواه أنفسهم، كالاستدلال برخص العلماء، أو الاحتجاج بالخلاف لترجيح الأيسر من الأقوال، أو التوسع في تحليل الحرام إذا “عمت به البلوى” أو غير ذلك من الطرق التي يوحى بها الشيطان لأهل السوء والمعصوم من عصمه الله تعالى.
أجارنا الله وإياكم من البدع والأهواء.