• الإمام أبو حنيفة:
عن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أُخبرت عنه؛ ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر، وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع!! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.
• الإمام مالك:
حكى فخر الدين عن الإمام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل باختلاف اللغات والأصوات والنغمات.
• الإمام الشافعي:
وعن الشافعي: أنه سئل عن وجود الصانع، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبعير والأنعام فتلقيه بعرًا وروثا، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهو شيء واحد.
• الإمام أحمد:
وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال: هاهنا حصن حصين أملس، ليس له باب ولا منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح، يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة ( ).
إنكار وجود الله (الإلحاد)
الإلحاد هو الكفر بالله وإنكار وجوده، والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد، والتكذيب بالبعث والجنة والنار، وتكريس الحياة كلها للدنيا فقط، وتكذيب الرسل.
وقد أضحى الإلحاد اليوم ظاهرة عالمية، فالعالم الغربي في أوربا وأمريكا وإن كان وارثاً للعقيدة النصرانية التي تؤمن بالبعث والجنة والنار إلا أنه في -الأغلب- ترك هذه العقيدة الآن وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا فحسب، وأصبحت الكنيسة مجرد تراثٍ تافهٍ جداً؛ وقد أصبح الإلحاد هو الدين الرسمي المنصوص عليه في كل دساتير البلدان الأوروبية والأمريكية، ويعبر عن ذلك بالعلمانية تارة، وباللادينية أخرى.
أما في الشرق فقد قامت أكبر دولة على الإلحاد، وهي الدولة الروسية، التي تتبنى العقيدة الشيوعية التي ترفض الغيب، وتنظر إلى الحياة كلها وفي جميع جوانبها من منظور مادي بحت.
من أسبابه:
لقد انتشر الإلحاد ومد رواقه في كثير من بلدان العالم، ومنذ مائتي عام لم تكن مشكلة الإلحاد بهذه الحدة والانتشار، ولكن في القرنين الأخيرين ظهرت عوامل عديدةٌ جعلت من الإلحاد والكفر ديناً عامَّاً منتشراً.
وفيما يلي ذكرٌ بعض الأسباب التي أدت إلى ظهور الإلحاد في العالم الغربي:
– لا شك أن أكبر الأسباب هو إغواء إبليس لمن اتبعه فقد أقسم على أن يبعد الناس عن ربهم ويغويهم عن اتباع أمره وشرعه عز وجل.
– أنها كانت ردة فعل للطغيان الكنسي المتمثل في الرهبان والباباوات الذين وصلوا إلى حد لا يطاق من إذلال الناس واستعبادهم ومحاربة العلم والعقل ومعاونة الحكام الظلمة والتمكين للفكر الخرافي وفرض الضرائب على الناس، مما جعلها أغلالا يتمنى أصحابها الانفكاك منها إلى أي وجهة تكون؛ فتلقفهم الملاحدة فأخرجوهم من الرمضاء إلى النار.
– مظالم العالم الرأسمالي، فالرأسمالية أشعلت في النفوس حب الأنانية والجشع المادي والحقد والبغضاء مما سهل الأمر على الملاحدة للوصول إلى قلوب الناس والتضليل عليهم بأن في النظام الإلحادي الجديد كل ما يتمنوه من السعادة والعيش الرغيد وقد قيل:
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
– الفراغ الروحي لدى أوروبا؛ إذ الكنيسة لا تقدم منهجاً يزكي النفس، ويجلب السعادة والطمأنينة للأفراد والمجتمعات؛ مما جعل النفوس تتعلق بخيط العنكبوت؛ لتنجو مما هي فيه من الحيرة، والاضطراب، والقلق.
– المكر اليهودي على العالم كله، وتآمره عليه لإفساده؛ تمهيداً للسيطرة عليه، حيث استغلوا هذه المذاهب ومكنوا لها.
– الانقلاب الصناعي، وما يقوم به الشيوعيون من بحثٍ علميٍّ جادٍّ مستندٍ على أدلةٍ مغريةٍ تقول: بأن الدين خرافة.
– ملذات الحياة، ومباهج الحضارة، ونسيان الخالق؛ فلقد فتح العلمُ الماديُّ أبواباً عظيمةً من أبواب الرفاهية والترف، فالمراكب الفارهة الفخمة؛ من سيارات، وقطارات، وبواخرَ وطائراتٍ، كذلك الملابس، والمطاعم، ووسائل التسلية، كل ذلك جعل الغفلة تستحكم على النفوس ولا تشعر بالعاقبة، مما فتح المجال لترويج أي مبدأ.
– ومما ساعد على انتشار الإلحاد أيضا ما وصل إليه الملاحدة من اكتشافات علمية هائلة مكنهم الله منها استدراجا لهم وإقامة للحجة عليهم على ضوء قوله تعالى: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( [فصلت:53]، فكلما تم لهم اكتشاف جديد فسروه على أنه من بركة تركهم للإله وللدين وانطلاقهم أحرارا من ذلك فاغتر بهم كثير من الجهال وظنوا أن ذلك صحيحا وأن هذه الحياة التي يعيشها العالم اليوم من تقدم مادي وصناعات مختلفة وانفتاح تام على الشهوات والمتع المختلفة إنما هي دليل في نظر من لا يعرفون الدين الصحيح على أن الإنسان هو مالك هذا الكون وحده وهو الذي ينظم حياته كما يريد( ).
والله المستعان