السلف لا يختلفون في أصل من الأصول

من سمات أهل السنة والجماعة السلف الصالح، أنهم لا يختلفون ولم يختلفوا في أصل من أصول الدين وقواعد الاعتقاد، فقولهم في مسائل الاعتقاد قول واحد بحمد الله، كما قال ابن قتيبة: (إن أهل السنة لم يختلفوا في شيء من أقوالهم إلا في مسألة اللفظ) (درء التعارض 1/263)، يعني بذلك اللفظ بالقرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ ومع ذلك فإن خلافهم في هذا -كما عند البخاري (إن صح) والإمام أحمد- خلاف لفظي حيث يجمعون على الأصل وهو أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق. 

بخلاف أهل البدع، فإنهم لا يوافقون أهل السنة في الأصول أو بعضها، كما أنهم لا يتفقون على أصولهم، بل كل حزب بما لديهم فرحون، بل إن الفرقة الواحدة منهم لا يتفق أفرادها على أصل كل الاتفاق.
أما أهل السنة -بحمد الله- فهم يتفقون جملة وتفصيلاً أئمتهم وعامتهم على أصول العقيدة، وما يقع من بعض أفرادهم من مخالفة للأصول التي اتفقوا عليها فهو خطأ مردود على قائله، مع أن ذلك -بحمد الله- نادر جداً، والنادر لا حكم له.
فقول أهل السنة في صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله واحد.
وقولهم في الكلام والاستواء والعلو لا يختلف.
وقولهم في الرؤية والشفاعة وسائر السمعيات لا يختلف.
وقولهم في الإيمان وتعريفه وأصوله (أركانه) ومسائله واحد.
وقولهم في القدر واحد.
وقواعدهم في الأسماء والأحكام لا تختلف.
وقولهم في الصحابة والسلف الصالح واحد.
فاختلاف أهل السنة إنما كان في الاجتهاديات من أمور الأحكام، أو فرعيات المسائل الملحقة بالعقيدة مما لم يرد به دليل قاطع، وذلك:
كمسألة اللفظ بالقرآن ومسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المعراج، هل كانت بصرية أو قلبية؟ ومسألة رؤية الله تعالى في المنام، ومسألة ابن صياد هل هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان أو غيره؟ ونحو ذلك من المسائل المختلف عليها ولم يرد الدليل صريحاً فيها وألحقها العلماء بموضوعات العقيدة لأنها تندرج في جنسها علمياً وموضوعياً لا عقدياً.
وهذه الأمور ونحوها ليست من أصول الاعتقاد والخلاف فيها دائر مع النصوص لم يقل فيها السلف برأيهم المحض -والله أعلم-.
ومردُّ ذلك -أي اتفاق السلف- إلى أمور كثيرة منها:
1- اعتصامهم بحبل الله جميعاً.
2- أن مصدرهم واحد هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف أهل الأهواء، فإنهم تعددت مصادرهم من القول بالرأي فيما لا تدركه الآراء والتعويل على العقليات فيما لا طاقة للعقول به، والأخذ عن الفلاسفة والأمم الهالكة وقد نهوا عن ذلك.
3- أن اعتقادهم ابتداء يقوم على التسليم لله تعالى وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، بخلاف أهل الأهواء فإنهم لم يسلموا ولم يذعنوا، وإن ادعى بعضهم ذلك؛ لأن مقضى التسليم التزام ألفاظ الشرع.
4- أنهم انتهوا عما نهى الله عنه، فلم يخوضوا في الغيبيات، ولم يقولوا على الله بغير علم، ولم يجادلوا ولم يماروا ولم يؤولوا.. بخلاف أهل الأهواء فقد ارتكبوا جميع هذه المنهيات.
5- أنهم تلقوا الدين بالاهتداء، والاقتداء والاتباع على بصيرة، فقد أخذوا الدين عن العدول الثقات بدليله.
فالصحابة أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعون أخذوا عن الصحابة، وهكذا حمل هذا الدين من كل خلف عدوله، ومن كل جيل ثقاته، ومن كل عصر علماؤه.
بخلاف أهل البدع والأهواء فقد تعددت مناهجهم في تلقي الدين، وخلطوا في وسائلهم وأساليبهم حتى تقطعت بهم السبل، نسأل الله العافية. (حراسة العقيدة؛ د.ناصر العقل).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *