من المهم مراعاته في منهجية الاستدلال عند أهل السنة والحديث ضوابط المطلق والمقيد وعليه:
فالمطلق هو: “ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه”.
وقولنا: أن (المطلق يتناول واحدا)، احتراز من ألفاظ الأعداد لأنها تتناول أكثر من واحد وكذا العام، وأن المطلق مبهم، وهذا مأخوذ من قيد “غير معين” فيخرج بذلك المعرف كزيد.
مثاله “رقبة” من قوله تعالى: {فتحرير رقبة}، ومن الفوارق بينه وبين العام أن هذا الأخير تدخل عليه لفظة “كل” فتأمل.
أما المقيـــــد فهو: “اللفظ الدال على فرد غير معين من أفراد غير معينين مع اقترانه بصفة تحدد المراد به”.
مثاله: قوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} فقد قيدت الرقبة بالإيمان.
وما على فرد على الشيوع °°°° يدل أو فردين أو مجموع
بدون قيد زائد فالمطلق °°°° كفاز قوم بالتقى تخلقوا
وهو على إطلاقه محمول °°°° حتى يجيء قيد له يزيل
إلا فذا المقيد الذي وجب °°°° له عن مطلق فيما رسب
ومنه نقول في خصوص حكم كل منهما:
أن اللفظ المطلـــق إذا ورد في النص ولم يرد مقيدا في نص آخر، يعمل بهذا اللفظ على إطلاقه، لأن الأصل “إجراء المطلق على إطلاقه”.
والتقييد خلاف الأصــل فلا يتوجه إليه إلا بقرينة أو دليل صحيح.
أما المقيد: فإذا ورد اللفظ مقيدا في النص أو لم يرد مطلقا يجب العمل بالمقيد.
واعلم أنه إذا ورد اللفظ مطلقا في موضع مقيدا في آخر؛ فذلك له أربعة أحوال:
1- اتحاد حكمهما وسببهما معا:
حكم هذه الحالة: يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق2.
مثاله قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله}.
فإطلاق تحريم الدم في هذه الآية وغيرها محمول على الدم المسفوح كما ورد ذلك مقيدا في قوله تعالى: {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}.
2- أن يتحدا في الحكم دون السبب
حكم هذه الحالة: يحمل المطلق على المقيد على الصحيح3.
مثــاله: الرقبة في كفارة الأيمان في قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} تقيدت بالإيمان كما جاءت في كفارة القتل في قوله تعالى {فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}.
3- أن يتحدا في السبب دون الحكم
حكم هذه الحالة: لا يحمل المطلق على المقيد على الصحيح4.
مثاله: وضوء وتيمم سببهما الحدث، ففي آية الوضوء قال تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} وفي آية التيمم قال تعالى {وأيديكم منه} ولم يقل إلى المرافق، فهل نقيد المطلق بالمقيد؟
الجواب: لا لأن الحكم مختلف، وإن كان السبب واحدا.
ولهذا كان القول أن التيمم يكفي فيه تطهير الكفين فقط، لا إلى المرفقين.
4- أن يختلفا في الحكم والسبب
حكم هذه الحالة: لا يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق5.
مثـــاله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه” البخاري ومسلـم وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار”.
هل نقيد ما أسفل من الكعبين بكونه خيلاء أو لا نقيد؟
الجواب: لا تقييد لأن السبب مختلف والحكم كذلك.
ومطلق على الذي قد قيدا °°°° يجب حمله إذا ما اتحدا
في الحكم والسبب باتفاق °°°° مثاله قول القدير الباقي
في ذكر من بالفوز قد تحلى °°°° (وذكر اسم ربه فصلى)
فإنه لمطلق الذكر عرف °°°° لكنه بقيد تكبير صرف
إذ الحديث فيه قيد المطلق °°°° هنا بتكبير لإحرام المقيم
فسبب كالحكم فيهما اتحد °°°° القصد للصلاة مع ذكر الأحد
أما إذا ما اتفقا في الحكم قط °°°° فذا محل الخلف عند من فرط
مثاله الظهار فيه جردا °°°° محرر من قيد إيمان حدى
في قتل مومن بلا تعمد °°°° زيدا على المال الذي به ودي
فقال قوم مطلق يقيد °°°° بالقيد في نظيره اللذ يوجد
نصا وقال آخرون قيسا °°°° ونجل ثابت يقول ليسا
لمطلق حمل على قيد وجب °°°° لو فيهما اتحد حكم والسبب
وحيثما اختلاف حكم قد ورد °°°° فحمل مطلق على ذاك انفقد
فالصوم والإطعام في الظهار °°°° عن سبب متحد المساوي
والصوم واجب التتابع يرى °°°° ولا كذا الإطعام عند من قرا
أما إذا ما اختلفا معا فلا °°°° يحمله عليه كل العقلا
وذا كقطع لازم بسرقة °°°° وغسل أيد في الوضو بقبلة
………………………….
1. انظر شرح الكوكب المنير، وكشف الأسرار، وإرشاد الفحول، ونخبة الأصول، ومختصر ابن اللحام، ونزهة الخاطر العاطر وشرح تنقيح الفصول، والتوقيف للمناوي، وأصول الفقه للزحيلي في آخرين.
2. كما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح نظم الورقات 12، وإن كان العلامة الشنقيطي رحمه الله قد نسب هذا القول إلى الجمهور فحسب كما في سلالة الفوائد الأصولية 236، لكن ذكر الإمام الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفحول 164-165 أن القاضي الباقلاني وابن فورك والقاضي عبد الوهاب وإيليا الطبري وغيرهم نقلوا الاتفاق على ذلك، وأن ابن برهان نقل في الأوسط خلاف بعض الأحناف في هذا القسم وصحح من مذهبهم أنه يحمل، وأن أبا زيد الحنفي وأبا منصور الماتريدي نقلا أن أبا حنيفة يقول بالحمل في هذه الصورة، وأن الطرطوشي حكى الخلاف فيه عن المالكية وبعض الحنابلة ورده الشوكاني بأن من جملة من نقل الاتفاق القاضي عبد الوهاب وهو من المالكية.
3. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية خلافا لأبي حنيفة ومن وافقه.
4. وهو قول أكثر العلماء.
5. قال الشوكاني رحمه الله عند هذه الصورة ما نصه: “فلا يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق كما حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين الجويني والكيا الهراسي وابن برهان والآمدي وغيرهم” إرشاد الفحول 164.