لقد حرص سلفنا الصالح على تربية أطفالهم تربية متنوعة متكاملة تراعي جميع خصوصيات الطفل وتلبي كل حاجاته ومن ذلك عنايتهم بالجانب الترويحي والترفيهي عند الأطفال.
وقد كانوا يعتبرون لعب الطفل وحركته مما يقوي عقله ويحد ذكائه في صغره كما قال ابن زنجويه: سمعت أبا مسهر يقول: “عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره” سير أعلام النبلاء 10/234.
والعرامة: هي الشدة وكثرة الحركة وعكسها الخمول.
وكان الرجل منهم إذا كان مع الأطفال لاعبهم ومازحهم كأنه صبي منهم كما نقل ابن مفلح عن ابن عقيل أنه قال: «والعاقل إن خلا بأطفاله خرج بصورة طفل، ويهجر الجد في ذلك الوقت» الآداب الشرعية 3/ 228.
ومن الأمور التي تبرز عناية سلفنا بالجانب الترفيهي عند الأطفال ترك هامش من حرية اللعب للطفل وعدم تعنيفه على ذلك فعن أنس بن مالك قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله. قال: فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله قابض بقفاي من ورائي؛ فنظرت إليه، وهو يضحك فقال: “يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ”. قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين، ما علمتُ قال لشيء صنعت: لمَ فعلت كذا وكذا، ولا لشيء تركت: هلاَّ فعلت كذا وكذا”. رواه مسلم برقم 2310.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: “خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك! قال: “كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته”. رواه النسائي 1145 ورواه الحاكم في المستدرك 1/287 وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سنه سنه، قال عبد الله وهي بالحبشية حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلي وأخلفي ثم أبلي وأخلفي ثم أبلي وأخلفي، قال عبد الله فبقيت حتى ذكر” رواه البخاري برقم3071.
وعن إبراهيم النخعي قال: “كانوا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلا بالكلاب”. رواه البخاري في الأدب المفرد برقم1297
ومن أساليبهم في ممازحة الأطفال مداعبتهم ببعض الألقاب التي تدل على الملاطفة فعن أنس قال: قال لي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: “يا ذا الأذنين” رواه أبو داود برقم 5002.
ومنها كذلك ملاعبتهم بصب الماء أو غيره عليهم فعن محمود بن الربيع قال: “عقلت من النبي مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين” رواه البخاري برقم 76.
ومن ذلك وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى الثمر أُتي به فيقول: “اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي مُدِّنا وفي صاعنا بركة مع بركة ثم يعطيه أصغر من بحضرته من الولدان” رواه مسلم برقم 2446.
ومن ذلك إردافهم على الدابة؛ فقد قال عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه-: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر تُلُقِّيَ بالصبيان من أهل بيته، قال: وإنه قدم مرة من سفره فسيق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه، قال: فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة” رواه مسلم برقم 2428.
ومن ذلك ملاعبة الطفل بحمله فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحداً بين يديه وآخر خلفه” رواه البخاري برقم 1798.
ومن ذلك إجراء المسابقات الترفيهية لهم وتحفيزهم بالجوائز للفائزين منهم؛ فعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: كان -صلى الله عليه وسلم- يصف عبد الله وعبيد الله من بني العباس ثم يقول: “من سبق إلى كذا فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبِّلهم” رواه أحمد في المسند برقم 1766.
ومن ذلك السماح لهم برؤية اللعب فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: “لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ”، زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: “رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ”. رواه البخاري برقم438.
ومن ذلك ممازحتهم والابتسامة في وجوههم فعن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر -رضي الله عنه- يحمل الحسن بن علي ويقول: “بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعلي وعلي معه يتبسم”. رواه البخاري برقم 3540
ومن ذلك إحضار عن عكرمة قال: “ختن ابن عباس بنيه، فأرسلني فجئته بلعَّابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم”. العيال لابن أبي الدنيا برقم581.
ومن ذلك السماح لهم باللعب بالدمى وغيرها فعَنْ عَائِشَة قَالَتْ: “قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر” فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: “فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة، قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ” رواه أبو داود برقم4932.
ومن ذلك السماح لهم باللعب مع غيرهم من الأطفال فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي” رواه البخاري برقم 5779.
ومن ذلك السماح لهم باللعب ببعض الحيوانات والطيور إذا لم يكن فيه أذى لهم؛ فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأخ لأنس: “يا أبا عمير! ما فعل النغير؟” رواه البخاري برقم 6129 ومسلم برقم2150.
كما يجدر التنبيه إلى أنه ينبغي تجنيب الطفل اللعب ليلا لأنه وقت انتشار الشياطين فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إذا كان جُنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم واغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليه شيئاً وأطفئوا مصابيحكم”. رواه البخاري برقم 3280 ومسلم برقم 2012.
كما ينبغي تجنيب الطفل مجالس اللهو الباطل واللغو المحرم فعن نافع قال: “سمع ابن عمر مزمارًا -قال- فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ قال فقلت لا قال فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا” رواه أبو داود برقم4924.
وقال ابن القيم: “يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل: مجالس اللهو والباطل، والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر، وعز على وليه استنقاذه منه” تحفة المودود بأحكام المولود ص169.
من خلال كل ما تقدم يظهر لنا جليا عناية سلفنا الصالح بالجانب الترويحي في حياة الطفل لأنه جزء مهم من تربيته يساعد على تنمية مواهبه وتكوين شخصيته لذلك لا ينبغي إهمال هذا الجانب أو بخس الطفل حقه فيه.