قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: «قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: حُسْنُ الْخُلُقِ كَظْمُ الْغَيْظِ لِلهِ، وَإِظْهَارُ الطَّلَاقَةِ وَالْبِشْرِ إلَّا لِلْمُبْتَدِعِ وَالْفَاجِرِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الزَّالِّينَ إلَّا تَأْدِيباً أَوْ إقَامَةَ حَدٍّ، وَكَفُّ الْأَذَى عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ إلَّا تَغْيِيرَ مُنْكَرٍ، وَأَخْذُ الْمَظْلَمَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ».
وسئل الشعبي عن حسن الخلق، قال: «البذلة والعطية والبشر الحسن».
وقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «يَنْبَغِي فِيمَنْ تُؤْثَرُ صُحْبَتُهُ خَمْسُ خِصَالٍ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً، حَسَنَ الْخُلُقِ، غَيْرَ فَاسِقٍ، وَلَا مُبْتَدِعٍ، وَلَا حَرِيصٍ عَلَى الدُّنْيَا».
فلذلك يكون حسن الخلق له تأثير قوي جدا في الصحبة.
حُسْنُ الخُلُقِ يُمْنٌ وسعادةٌ، وسُوءُ الخُلُقِ شُؤمٌ وشقاءٌ.
سئل الحسن عن حسن الخلق، فقال: «الكرم والبذلة والاحتمال».
وقال مقاتل: «حسن الخلق بالتجاوز والصفح».
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا» رواه البخاري.
ويقول السفاريني: «حسن الخلق القيام بحقوق المسلمين، وهي كثيرة، منها أن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يتواضع لهم ولا يفخر عليهم ولا يختال، فإن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا يتكبر ولا يعجب فإن ذلك من عظائم الأمور… وأن يوقر الشيخ الكبير، ويرحم الطفل الصغير، ويعرف لكل ذي حق حقه مع طلاقة الوجه وحسن التلقي ودوام البشر ولين الجانب وحسن المصاحبة وسهولة الكلمة، مع إصلاح ذات بين إخوانه وتفقد أقرانه وإخوانه، وأن لا يسمع كلام الناس بعضهم في بعض، وأن يبذل معروفه لهم لوجه الله لا لأجل غرض، مع ستر عوراتهم وإقالة عثراتهم وإجابة دعواتهم… وأن يحلم عمن جهل عليه ويعفو عمن ظلمه».
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: «معالي الأخلاق للمؤمن، قوة في لين، وحزم في دين، وإيمان في يقين، وحرص على العلم، واقتصاد في النفقة، وبذل في السعة، وقناعة في الفاقة، ورحمة للمجهود، وإعطاء في كرم، وبر في استقامة».
ويقول ابن حبان رحمه الله تعالى: «الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها».
وقد يتصور بعض الناس أن حسن الخلق محصور في الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة فقط، والحقيقة أن حسن الخلق أوسع من ذلك فهو يعني إضافة إلى الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، التواضع وعدم التكبر ولين الجانب، ورحمة الصغير واحترام الكبير، ودوام البشر وحسن المصاحبة وسهولة الكلمة وإصلاح ذات البين والتواضع والصبر والحلم والصدق، وغير ذلك من الأخلاق الحسنة والأفعال الحميدة التي حث عليها الإسلام ورغب فيها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن منهج السلف في الأخلاق والسلوك: «يأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال».
وفي الختام نسأل الله سبحانه أن يجعل هذه الرسالة خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها من قرأها، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يحسن أخلاقنا، إنه سميع مجيب، وصلى الله وصلى سلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.