في دولة إفريقيا الوسطى قام النصارى، بمساندة محلية من قبل الساسة النصارى وبمعاونة ضمنية من الدول الكبرى- سيما الدول ذات السطوة والسلطة على هذه الدولة- قاموا بذبح المسلمين هناك بسكين بارد، وإلى الآن ومنذ أشهر يتعرض مسلمو إفريقيا الوسطى إلى حرب إبادة من نوع فريد، استطاع النصارى خلالها، الإتيان على مدن بأكملها وإخلائها من المسلمين، فالمسلم هناك ما بين قتيل وشريد ومتخفي خشية الفتك به وبأهله، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تحولت المساجد إلى حانات يعربد فيها النصارى، وترتكب فيها الموبقات..
في ظل هذه الأجواء اجتمع جمع غفير من النصارى من سوريا وخارج سوريا في الأردن لعقد مؤتمر عن حاضرهم ومستقبلهم في الدولة السورية الجديدة، اجتمع النصارى، ليبنوا مستقبلهم على جثث أهل السنة، ورغم ذلك لم يسلم المسلمين من أهل السنة من سلطويتهم، ورغبتهم في التمكين لأوضاعهم ولو على حساب المسلمين، ولو جاء هذا الأمر مقوضًا لثوابت دينهم ومحكمات شريعتهم.
تحدث النصارى في مؤتمرهم عن ما أسموه رسائل “غير مطمئنة” من بعض الأطراف السورية، جعلت غالب النصارى يتوجهون قبالة النظام النصيري ويوالونه؛ لأنه- بحسب زعمهم- كان أكثر طمئنة لهم، واحتواءً، وتلبية لرغباتهم، رغم ما يفعله النظام النصري بحق المسلمين- شركاء الوطن!!- من جرائم وانتهاكات لا ترضي مسلم أو نصراني أو يهودي، أو إي إنسان وإن اختلف معتقده.
فهل تعرض النصارى في سوريا لما يتعرض له مسلمو إفريقيا الوسطى من مذابح على يد إخوانهم في الدين والمعتقد (من نصارى إفريقيا الوسطى)، ليجتمع القوم ويتناقشون- بخوف وهلع!!- عن حاضرهم ومستقبلهم في سوريا الغارقة في الدماء؟
حبذا لو تناول اجتماع النصارى في الأردن سبل الخلاص من النظام النصيري، الذي قتل العباد وخرب البلاد، وحول سوريا إلى مدن أشباح، لا يسكنها مطمئنًا إلا الشياطين من الإنس والجن، والملوثة أيديهم بدماء السوريين.
فقد جاء مؤتمر “حاضر المسيحيين في سورية ومستقبلهم” للحديث عن “موقع المسيحيين” في خطاب حركات الإسلام السياسي، مع تركيز على خطاب جماعة الإخوان المسلمين، وأبرز الحركات السلفية الناشطة في سورية، قبل أن يشرعوا في بحث “موقع المسيحيين في دساتير سورية وتشريعاتها، لينتهوا إلى صياغة جملة من التفاهمات والتوصيات العامة التي تشكل ملامح خريطة طريق لمستقبل سورية ومسيحييها.
وفي وسط هذا الجو المفعم بالدماء التي تهراق في سوريا جلس القوم للحديث عن رغبتهم في دولة علمانية- إقصائية لشريعة غالبية السوريين- حيث شدّدت مداخلات بعض المشاركين على الحاجة لبناء دولة سورية علمانية، حديثة وعصرية، تكفل حقوق جميع السوريين، أفرادا وجماعات.
ولو قالوا دولة إقصائية لكل مسلم يرغب في إقامة دينية لكانوا أكثر اتساقا مع أنفسهم، فمنذ متي والعلمانية تكفل حقًا لمسلم أو تراعي حرمة معتقد؟
ختاما نستطيع اختصار هذا المؤتمر في كلمات معدودات، وهي أن المسيحيين في سوريا وخارج سوريا في فزع وهلع من تحول الدولة السورية- بعد انفراج أزمتها بإذن الله- من أيدي العلويين- حلفاء الماضي والحاضر والمستقبل- إلى دولة يحكمها المسلمون من أهل السنة، خشية على معتقدهم.
والنصارى لا يخشون من تردي أوضاعهم بقدر خشيتهم من تحسن أوضاع المسلمين، فهم يدركون جيدًا، أن لا أحد يستطيع التعرض لهم بسوء طالما عاشوا في دولة تُعْلِي من قيم الإسلام؛ لأن من هذه القيم السامية صون المخالفين في المعتقد من أهل الكتاب، ومنحهم كافة حقوقهم، لكنَّ عادة النصارى التي لم تتبدل؛ أنهم حلفاء جيدين لأهل الاستبداد من الحكام والساسة، وبنظرة سريعة للمشهد العربي المعاصر والقديم يتضح هذا الأمر بجلاء تام.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث