العـربيـــة حمزة الحساني بنطنيش

أتعجب من قوم يجعلون لغتهم ضحية لهم، أمرّ بالشوارع والأزقة، وبعض المرافق العامة، فأجد بها كتابات بعضها غزلي (ذو طبيعة غزلية)، وآخر إرشادي، ونحو ذلك، الذي يستوقفني بها هو تلك الأخطاء الكثيرة، حتى صرت أتمنى أن أقرأ شيئا فلا أجد به خطأ.
لكن غالبا ما أتساءل: لماذا يجشع هؤلاء وراء لغات يسمونها “عالمية” ويتركون لغتهم الأم، زعما منهم أنهم بها فقهاء؟ ولكن كنه الأمر هيهات هيهات، فكم من مرة سألت بعض تلامذة البكالوريا، بل حتى طلبة جامعيين، عن قواعد بسيطة في اللغة العربية، فما يكون لهم من رد سوى شرقي أو غربي عن الموضوع، وكم من طلبت منهم إنشاء جمل اسمية أو فعلية فوقفوا عاجزين.
أين نحن بهذا من قول السلف: “تعلموا العربية وعلموها الناس”؟
أحزن كثيرا وأتحسر عندما أجد أبناء جلدة العرب يتقنون لغات غربية أجنبية، ويتركون لغتهم على الرفوف في مجلدات مذهبة تزين مكاتبهم، آه وألف آه على لغة القرآن! مات من يستحقها وفخرها، واندثر من يتقن ضادها، إلا شرذمة ما زالت متمسكة بها كالقابض على الجمر، ولعل هذا من أسباب ادعاء أقوام أن لغة اسم الآلة لغة لا تواكب الصناعة والحداثة، ولن يتم مبتغى آخرين يطلبون نزعها من التعليم، إلا بموافقة أبناء التعليم والفئة المثقفة، وعشق العربية سيدوم بقلب كل غيور عليها، وسيستمر بيان خباياها وإعجازاتها، باستمرارية القرآن، فهو بار للغته.
أتلذذ حينما أفكر بكلماتها وأتلاعب بموادها المعطاءة، ونموذج ذلك مادة: (م ل ء) فانظر فيما يتكون منها ترى عجبا: أمل: رجاء، ألمٌ: وجع، ملأ: عمر، ألمّ: أحاط، أمل: أعيى، لأم: ضرب بأداة حرب، مأل: سمين ضخم، ألمْ: للاستفهام، لأُم: للنسبة لكلمة أم، ملء: مصدر امتلأ، وغير هذا كثير.
وما زالت كلمات أستاذي الغالي سيدي محمد الهسكوري حفظه الله تسبح بصدري إذ كان يقول: “العربية من وضع الله وصنعه، وكان ذلك لأن يختارها لأقدس كتبه وآخرها تنزيلا”، مقالة ترفع رأسي عاليا أمام كل من محبي العربية وأعدائها.
أدعوا بني العرب للرجوع إلى تعلم العربية وإتقانها، ومنحها قسطا من الوقت ولو يسيرا، لا تتنكروا للغة: تاريخكم، ومجدكم، ودينكم، وحضارتكم و..و..، ثم إيانا والفخر بحمل كتب عجمية بدل أخرى عربية، ولنرفع للغتنا أرقامها بالإحصائيات العالمية، سواء في مجال القراءة والكتابة والإبداع، ولكن أولا وقبل كل شيء القراءة القراءة.
عذرا لغتي فقد مات أبناؤك الأوفياء، مات امرؤ القيس، مات كعب بن زهير، مات حسان بن ثابت، مات أفصح من نطق بالضاد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن لا بد من فئة تركوها كحامل القلم الكاتب لهاته السطور، وغيره كثيرون، إذ ما زالوا متمسكين بحبك، ولعشقك أوفياء.
كفى العربية فخرا أنها لغة القرآن، ولغة أهل الجنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *