“إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” من آثار الإيمان باسم الله السميع (الحلقة 63) ناصر عبد الغفور

3- سعة سمع الله تعالى:
لما كانت ذات البارئ سبحانه أعظم الذوات وأكملها كانت صفاته أعظم الصفات وأكملها، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والصفات كما هو معلوم تابعة للذات والقول فيها كالقول في الذات.
فصفاته سبحانه كلها صفات كمال، ومن كمال صفة “السمع” لله تعالى اتساعها فقد وسع سمعه جل وعلا كل الأصوات بمختلف اللغات واللهجات سواء علت أو خفتت.
يقول الحافظ الحكمي رحمه الله تعالى في معارجه:
وسامع للجهر والإخفات *** بسمعه الواسع للأصوات
وفي التنزيل: “قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ..” (الكهف:26)، يقول الإمام الطبري في تفسيرها: “وذلك بمعنى المبالغة في المدح كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود وأسمعه لكل مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء، كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة: “أبصر به وأسمع فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع تبارك وتعالى” .
وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: “أي ما أبصر الله بكل موجود وأسمعه لكل مسموع، أي لا يغيب عن سمعه وبصره شيء” .
وسعة سمع الله تعالى تظهر من وجوه، منها:
أ- أنه سبحانه لا يخفى عليه كلام مهما خفت ودق:
فالجهر والسر عنده سواء كمال قال تعالى: “سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ” (الرعد:10).
يقول الإمام الألوسي رحمه الله تعالى في تفسيره: “{سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول} أخفاه في نفسه ولم يتلفظ به، وقيل: تلفظ به بحيث لم يسمع نفسه دون غيره {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} من يقابل ذلك بالمعنيين {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ} مبالغ في الاختفاء كأنه مختف {بالليل} وطالب للزيادة {وَسَارِبٌ بالنهار} أي ظاهر فيه كما روي عن ابن عباس” .
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: “وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”: يسمع جميع ما نطق به الناطقون، سواء من أسر القول ومن جهر به…
وفي موطن آخر يقول: “وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ” يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات”.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا…” ، وفي رواية: “تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء”.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: “كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: “اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا..” (صحيح البخاري:7386).
قال ابن بطال رحمه الله تعالى: “في هذا الحديث نفي الآفة المانعة من السمع والآفة المانعة من النظر، وإثبات كونه سميعا بصيرا قريبا يستلزم أن لا تصح أضداد هذه الصفات عليه” .
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآية.. (ح رقم:7521).
فأنكر الله جل في علاه على المشركين ظنهم بأنه سبحانه لا يسمع سرهم ونجواهم، فالسر والعلانية عنده سبحانه سواء ومهما دق الكلام سمعه الله تعالى بسمعه الواسع الكامل.
يقول الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى -معلقا على حديث ابن مسعود السابق-: “وفي هذا السياق المبارك دلالة على أن فساد الاعتقاد فيما يتعلق بصفات الربّ وأسمائه يترتب عليه فساد الأعمال وانحلال الدين والوقوع في الهلاك والردى والخسران، ولذا قال سبحانه: “وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ” (فصلت:23-24)” .
فالغباء قرين الشرك حيث أن المشرك لما كان جاهلا غير عارف بربه كان بصفاته ونعوته سبحانه جاهلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *