المتجول في أغلب -إن لم نقل- كل شوارع وأزقة بلادنا تثير انتباهه ظاهرة غريبة متفشية بين صفوف أبنائنا وبناتنا ورجالنا، تجعل من في نفسه شيء من الدين والحياء يشعر بالغضب والامتعاظ ابتداء، ثم سرعان ما يذوب هذا الشعور ويتلاشى، ليتحول إلى شفقة ورأفة وحسرة على تدني المستوى الأخلاقي والتربوي لفلذات أكبادنا، هذه الظاهرة هي الكلام الفاحش والبذيء المتداول بينهم، فما أن تمر بمجموعة من الأطفال تعلب في الشارع أو أمام المدارس إلا يطرق سمعك وابل من السب والشتم، سب لله جل في علاه، وسب للدين، ولعن للأبوين وقذف للأمهات ورميهن بجريمة الزنا.. فمعظم مصطلحات الأطفال والشباب تدور في هذا الإطار.
الكلام البذيء؟
الكلام البذيء هو استعمال كلمات غير مقبولة أخلاقيا واجتماعيا، ويعتبر نوعا من أنواع العدوان اللفظي.
فعلى الرغم من أن زلات الأبناء اللفظية قد تكون مزعجة ومثيرة للغضب، وتشعر بالارتباك والخجل أمام الآخرين، إلا أنها تظهر لدى بعض الأطفال في سن مبكرة فيرددونها بهدف لفت الانتباه، وقد ترسخ عند الأطفال الذين لا يتم توجيههم بصورة فعالة في عمر لاحق، فيتخذونها وسيلة للتحدي والعدوان اللفظي. إلا أن معظم الأطفال تصدر عنهم ألفاظ نابية في مرحلة من مراحل نموهم، وكل الآباء يواجهون تحديا من هذا القبيل.
أسباب الظاهرة
للظاهرة أسباب متعددة نذكر منها:
1- التقليد والتأسي: وهو وجود نموذج أمام الطفل يستخدم الكلمات البذيئة، فالأطفال يكررون ما يسمعون ويدمجون الكلمات التي يسمعونها ضمن مصطلحاتهم، وعند استخدام الوالدين أو المحيطين بالطفل ألفاظا غير مناسبة يتعلمها الطفل ويبدأ باستخدامها.
2- لفت الانتباه: قد يستخدم الطفل الكلمات البذيئة من أجل لفت انتباه منى يحيطون به، وعندما يستخدم تلك الكلمات لأول مرة دون أن يعرف معناها، ثم يجد أنه لفت الانتباه، يميل إلى تكرارها مرة أخرى.
3- الشعور بالإحباط أو الغضب: عندما يشعر الطفل بالإحباط الناتج عن عدم قدرته على إنجاز العمل الذي يقوم به، وعندما يشعر بالغضب فقد يُعبر عن إحباطه وغضبه باستخدام كلمات تصبح جزء من قاموسه اللغوي، فلكل شخص عبارة خاصة به يكررها في ذلك الموقف، قد تكون مقبولة أو غير مقبولة.
4- ترديد العبارات دون إدراك قبحها: يميل كثير من الأطفال إلى استخدام كلمات غير مقبولة، ويستخدمونها دون إدراك معناها.
5- الازدواجية في التعامل: عندما يقوم الكبار باستخدام عبارات غير مقبولة ويرفضون سماعها من الأطفال، فقد يلجأ الطفل لاستخدام هذه العبارات ليشعر بالقوة وبأنه أصبح كبيرا.
6- تحدي سلطة الكبار: يستخدم الأطفال الكلام البذيء بغرض استثارة غضب الكبار، وإشعارهم بعدم الارتياح.
7- التعزيز: عند استخدام الطفل لكلمات بذيئة يستجيب الكل أحيانا بالضحك والابتسامة، فيشعر باستحسانهم ويكرر هذه الكلمات.
طرق العلاج
هناك أسباب عديدة تجعل الطفل يستخدم الكلمات البذيئة، وعندما نتوقع مسبقا أن أي طفل يمكن أن يمر بهذه المرحلة فهذا يساعد على إعطاء المشكلة حجمها الطبيعي، وأن بالإمكان التوصل إلى حل لها بسهولة، وذلك بـامتثال الخطوات التالية:
– تقوية الوازع الديني لدى الطفل: وذلك بتعليمه وتحفيظه لبعض الآيات والأحاديث التي تنهى عن السباب والسخرية والكلام البذيء، كقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر” رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء” رواه الترمذي.
– مخاطبة الطفل بأسلوب يوصل المعلومة له بكل يسر وسهولة، وذلك بضرب الأمثلة الحسية، فهو في مرحلة لا يعرف بعد فيها تقدير القيم والأخلاق والمبادئ، فيحتاج إلى تشبيه وتمثيل، فيقال له مثلا: “إن الله تعالى يسمعك، وإن الله تعالى لا يحب منك أن تتلفظ بالكلام البذيء”، وتفسَّر له هذه الآية: “لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ” وهكذا.
– تشجيع الطفل على التعبير عن الإحباط أو الغضب بطريقة مقبولة، واستخدام عبارات مقبولة مثل الاستغفار والاسترجاع والاستعاذة من الشيطان.
– تجاهل الطفل عند استخدامه الكلام البذيء إذا كان عابرا ولم يستخدمه من قبل.
– تجنب الضحك مع الطفل أثناء استخدامه لكلمات غير مقبولة، وثق أن الضحك يشجعه، لأنه يجد أن ما يقوم به صار مصدر استحسان من الآخرين..
– اشرح للطفل أن الكلام البذيء يعبر عن عدم احترامه الناس، وأنه سيؤدي إلى عدم احترامهم له، فلا ينبغي استخدامه أبدا.
– كن قدوة للطفل: فعلى المربي والأسرة عموما تجنب الكلام البذيء أثناء الحديث وبخاصة في حالات الغضب.
– عَبِّر عن عدم قبول الكلام البذيء بطريقة صحيحة، مثل أنا أشعر بالغضب عندما تستخدم هذا الكلام، لأن ذلك يؤذي مشاعري.
– إذا كرر الطفل الكلام البذيء، وأردت أن تنبهه أو شعرت أنك يجب أن تقوِّمه، قل له ببساطة ودون أن ترفع صوتك “نحن لا نقول هذه الكلمات في هذا البيت”.
– قدم التشجيع الفعال عندما يمتنع عن الكلمات البذيئة.
– إن واصل الابن استخدام الكلمات البذيئة والسباب، أظهر له استياءك بنبرة الصوت أو تعابير الوجه، ووضح نتائج سلوكه السلبي على الآخرين، مثال: ما شعورك لو وجه لك طفل آخر كلمات نابية؟ ودع الطفل يعبر عن شعوره.
وما أجمل الولد حين يتلفظ بالألفاظ الجميلة، والكلمات الحلوة اللطيفة، وما أحسنه حين يؤدب على منهج وقيم شرعنا الحنيف، ..وما أكرمه حينما يستهجن ما يسمعه من لغة اللعن والسب والبذاءة!.. فلا شك أنه يكون حينئذ ريحانة في البيت، وشامة بين الناس.