نيل المنى

 

«المسألة الثانية عشرة»

وجملة الأسباب حيث وقعت      لتحصل المسببات شرعت

وهي المصالح التي تجتلب    أو المفاسد التي تجتنـب

وهن أقسام فقسم علمت     شرعية الأسباب فيه وبدت

إما بقصد أول في الأول     أو تابع في تابعي مكمل

في أن الأسبابـ من حيث هي أسباب شرعية لمسببات إنما شرعت لتحصيل مسبباتها وهي المصالح المجتلبة، أو المفاسد المستدفعة.

قال الناظم: «وجملة» أي وكل «الأسباب» الشرعية «حيث وقعت»، سواء وقعت في العبادات أو في العادات الشرعية، إنما وضعت «لتحصل المسببات» المترتبة عنها، ولذلك «شرعت» تلك المسببات «هي المصالح التي تجتلب» أي المطلوب جلبها شرعا «أو المفاسد التي تجتنب» أي يطلب اجتنابها شرعا، «وهن» أي تلك المسببات باعتبار تشريع الأسباب لها، وعدمه على «أقسام» ثلاثة، «فـ» الأول هو ال «قسم» الذي «علمت» على قطع، أو على ظن «شرعية الأسباب فيه» يعني في سبيل تحصيله، وكسبه.

ويصح أن تكون «في» هنا بمعنى إلى فيكون معنى كلامه لذلك: علمت شرعية الأسباب الموصلة إليه. «و» التي «بدت» ظهرت، فهي غير خافية، ثم إن تشريع الشارع لهذه الأسباب في هذا القسم «إما» أن يكون «بقصد» من الشارع «أول» وذلك إنما يحصل «في» المقاصد الأصلية «الأول» وهي التي لاحظ فيها للمكلف، وهي الضروريات المعتبرة في كلأمة وهي حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل -العرض- وحفظ المال، وحفظا لنفس. فكل الأسباب التي شرعها لذلك الشارع ثابتة بالقصد الأول منه لا غير، وهذا هو –الصنف الأول- «أو بقصد» ثان «تابع» -وهذا هو الصنف الثانيـ وذلك إنما يكون «في» مقصد «تابعي» لمقصد أصلي «مكمل» له، والمقصد التابعي هو كلما روعي فيه حظ المكلف، فمن جهته يحصل له مقتضى ماجبل عليه من نيل الشهوات والإستمتاع بالمباحات، وسد الخلات.1

فذا صحيح عنده التسبب      وهو بإذن الشرع فيه يطلب

مثل النكاح شرعه للنسل     وبعده تمتع بالأهـل

وآخر العلم أو الظن قضى    بأنه للشرع غير مقتضــى

فلا يصح هاهنا التسبب    بسبب ليس لشرع ينسـب

وكل الأسباب المشروعة لنيل هذا كله إنما حصلت من الشارع بالقصد الثاني.

«فذا» أي هذا القسم الذي شرعت له الأسباب «صحيح» شرعا «عنده» يعني عند طلبه «التسبب» فيه «وهو» كذلك لأنه لم يكن عن هوى، وإنما كان «بـ» سبب «إذن الشرع فيه» ولذلك «يطلب» ويسعى في كسبه. وذلك «مثل النكاح» الذي ثبت «شرعه» أي كونه مشروعا بالقصد الأول « للنسل» لقوله  صلى الله عليه وسلم: “تزوجوا الولود الودود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة” «و» يأتي «بعده» أي بعد هذا المقصود بالقصد الأول، ما هو مقصود بالقصد الثاني التبعي، وذلك كمثل «تمتع بالأهل» أي الزوجة، ومصاهرة أهل المرأة لشرفهم، أودينهم، أو نحو ذلك، أو الخدمة أو القيام على مصالحه أو الرغبة في جمال المرأة، أو التمتع بمالها، أو نحو ذلك، مما دلت عليه الشريعة. فصار إذا ما قصد هذا المتسبب مقصود الشارع على الجملة -هنا- وهذا كاف، هذا هو القسم الأول، وما يتعلق به.

وأما الثاني، ففيه يقول الناظم: «و» قسم «آخر» من هذه الأقسام الثلاثة في المسببات هو المسبب الذي «العلم أو الظن» قد «قضى» وحكم في شأنه «بأنه» مسبب «لـ» حكم «الشرع غير مقتضى» أي غير مطلوب، وبذلك فهو غير مقبول وغير صحيح إذ هو خارج عن ذلك الحكم، فلم يخضع له، فسقط اعتباره، ولهذا «فلا يصح» شرعا «هاهنا» أي في هذا القسم «التسبب» في تحصيله «بسبب» -التنوين للتنويع- أي بأي نوع من الأسباب «ليس لشرع» أي لأمر شرعه الشارع «ينسب» ويسند، لأن التسبب بذلك عبث، والمفروض في هذا القسم أنه مسبب غير مشروع، وبذلك فإنه لاسبب شرعي يوصل إليه، وكل تسبب في سبيل تحصيله لعب. فإذا قصد بالنكاح –مثلا- التوصل إلى أمر فيه إبطاله كنكاح المحلل، أو بالبيع الموصل إلى الربا مع إبطال البيع، وما أشبه ذلك من الأمور التي يعلم أو يظن أن الشارع لا يقصدها، كان العمل باطلا لمخالفته لقصد الشارع في شرع النكاح، والبيع. وهكذا سائر الأعمال والتسببات العادية والعبادية.

———————–

1- انظر أصل: كتاب المقاصد، النوع الرابع من المقاصد الشرعية المسألة الثانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *