قصيدة العدد

من أرجورة ابن مكانس
هل من فتى ظريف …  معاشر لطيف
يسمع من مقالي …  ما يرخص اللآلي.
أمنحه وصية …  ساريةً سرية
تنير في الدياجي …  كلمة السراج
رشيقة الألفاظ … تسهل للحفاظ
جادت بها القريحة … في معرض النصيحة
أنا الشفيق الناصح …  أنا المجد المازح
إن تبتغ الكرامة … وتطلب السلامة
أسلك مع الناس الأدب …  ترى من الدهر العجب
لن لهم الخطابا …  واعتمد الآدابا
تنل بها الطلابا …  وتسحر الألبابا
ولا تطاول بنشب …  ولا تفاخر بنسب
فالمرء ابن اليوم …  والعقل زين القوم
ما أروض السياسة …  لصاحب الرئاسة
إن شئت تلغى محسنا …  فلا تقل يوماً أنا
ألعز في الأمانة … والكيس في الفطانه
ألقصد باب البركه …  والخرق داعي الهلكه
لا تغضب الجليسا …  لا توحش الأنيسا
لا تصحب الخسيسا …  لا تسخط الرئيسا
لا تكثر العتابا. تنفر الأصحابا
فكثرة المعاتبه … تدعو إلى المجانبة
وإن حللت مجلسا …  بين سراةٍ رؤوسا
اقصد رضا الجماعة …  وكن غلام الطاعة
ودارهم باللطف …  وأحذر وبال السخف
واختصر السؤالا…. وقلل المقالا
ولا تكن معربدا…. ولا بغيضاً نكدا
لا تحمل الطعاما…. والنقل والمداما
فذاك في الوليمة…. شناعةٌ عظيمه
لا يرتضيها آدمي…. غير مقل عادم
وقل من الكلام…. ما لاق بالمدام
كرائق الأشعار…. وطيب الأخبار
وأترك كلام السفلة…. والنكت المبتذلة
إياك والتطفيلا…. وشؤمه الوبيلا
ولا تكن مبذولا…. ولا تكن ملولا
البخل لا تألفه…. والخل لا تصدفه
ولا تقل لمن تحب. ضيف الكرام يصطحب
ولا تكن ملحاحا. وأجتنب المزاحا
فكثرة المجون…. نوعٌ من الجنون
فالشؤم في اللجاج…. والحر لا يداجي
وهذه الوصية…. للأنفس الأبية
أختارها لنفسي…. وإخوتي وجنسي
فهاكها وصيه …  تصحبها التحية
تحملها الكرام…. إليك والسلام

سلسلة أشهر القصائد
قصيدة المهلهل التغلبي
المهلهل جد عمرو بن كلثوم لأمه، أورثه الشعر كما أورثه ويلات حرب البسوس
التي دامت أربعين سنة. من أوائل من اصطلوا بنارها وطحنتهم رحاها كليب أخو
المهلهل فرثاه بقصائد كثيرة منها الرائية الشهيرة التي ابتدأها بقوله:
أهاجَ قذاء عينيّ الادّكارُ … هدوءاً فالدموع لها انهمارُ
وصار الليل مشتملاً علينا … كأنّ الليلّ ليسَ لهُ نهار
وبتُّ أراقب الجوزاءَ حتى … تقاربَ من أوائلها انحدار
أصرّف مقلتي في إثرْ قوم … تباينت البلادُ بهم فغاروا
وأبكي والنّجومُ مطلّعات … كأن لم تحوها عنّي البحارِ
على من نعيت وكان حيّا … لقاد الخيلَ يحجبها الغبار
ثم يناجيه بأسلوب يذوب رقة وحنانا يقرر في أنفسنا أن الجاهلي وإن كان
بدويا ثائرا فإنه أيضا إنسان يستجيب لدواعي العاطفة الجياشة فيقول:
دعوتك يا كليب فلم تجبني … وكيف يجيبني البلد القفار
أجبني يا كليب خلاك ذمّ … ضنينات النفوس لها مزار
أجبني يا كليب خلاك ذمُّ … لقد فجعت بفارسها نزار
ثم يصف لنا أخلاق كليب فهو ليس كأي إنسان إنه شهم بطل كريم فيقول:
سقاك الغيث إنك كنت غيثاً … ويسراً حين يلتمس اليسار
وإنك كنتَ تحلمُ عن رجال … وتعفو عنهم ولك اقتدار
وتمنعُ أن يمسهمُ لسانٌ … مخافة من يحير ولا يجار
وما إن شوقنا الشاعر لمعرفة شيم كليب وأخلاقه حتى تغلبه العاطفة مرة أخرى
ليعود إلى بث أحزانه، في أبيات يضمنها شيئا من الحكمة الساذجة من ذلك
قوله:
وكنت أعدّ قربي منك ربحاً … إذا ما عدّت الرّبحَ التّجار
فلا تبعد فكلَّ سوف يلقى … شعوباً يستدير بها المدار
يعيش المرء عند بني أبيه … ويوشك أن يصير بحيث صاروا
أرى طول الحياة وقد تولّى … كما قد يسلب الشيء المعار
كأنّي إذ نعى النّاعي كليباً … تطاير بين جنبيّ الشّرار
وأخيرا يرسل إلى أخيه عهدا بأنه تارك ملذات الحياة متلبس بدرعه وسيفه
مادام الليل والنهار يظلان سماء بكر :
خذِ العهد الأكيد عليّ عمري … بتركي كلّ ما حوت الدّيار
ولستُ بخالعٍ درعي وسيفي … إلى أن يخلع الليلَ النهارُ
وهكذا نرى هذه القصيدة سهلة اللغة منسجمة المعاني قريبة المأخذ وعلى
منوالها جميع قصائد هذا الشاعر ولذلك لقب بالمهلهل لهلهلة أي: سهولة في
شعره.

وتلك الأمثال
مما ابتدئ بليس
– ليس لملول صديق.
– ليس لما قرّت به العين ثمن.
– ليس لشَرِهٍ غنى.
– ليس لها راع ولكن حلبة.
– ليس لعين ما رأت ولكن لكفّ ما أخذت.
– ليس لمكذوب رأي.
– ليس المتعلّق كالمتأنّق.
– ليس المخبر كالمعاين.
– ليس بعد الإسار إلّا القتل.
– ليس من العدل سرعة العذل.
– ليس بعشّك فادرجي.
– ليس من القوّة التّورّط في الهوّة.
) الأمثال للهاشمي).

سحر البيان

»ومن وصية ابن شداد لابنه«
عليك بتقوى الله العظيم وليكن أولى الأمور شكر الله وحسن النية في السر
والعلانية فإن الشكور يزداد والتقوى خير زاد وكن كما قال الحطيئة:
ولستُ أرى السّعادةَ جمعَ مالٍ … ولكنّ التّقيّ هو السّعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذخراً … وعندَ الله للأتقى مزيدُ
ثم قال: أي بني لا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب
على الشاهد والغائب فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه وطالب أصبح مطلوباً
ما لديه: واعلم أن الزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان يرى الهوان.
ثم قال: أي بني كن جواداً بالمال في موضع الحق. بخيلاً بالأسرار عن جميع
الخلق فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر وأن أحمد بخل الحر الضن
بمكتوم السر وكن كما قال قيس بن الخطيم:
أجودُ بمكنون التِّلاد وإنّني … بسرّك عمّن سالني لضنينُ
إذا جاوزَ الإثنين سرُّ فإنه … بنث وتكثير الحديث قمين
وعندي له يوماً إذا ما ائتمنتني … مكانٌ بسوداء الفؤاد مكين
ثم قال: أي بني وإن غلبت يوماً على المال فلا تدع الحيلة على حال فإن
الكريم يحتال والدنيء عيال وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون
في الباطن مالاً فإن الكريم من كرمت طبيعته وظهرت عند الأنفاذ نعمته.
ثم قال: أي بني وإن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بالشاهد فإنك إن
أمضيتها حيالها رجع العيب على من قالها وكان يقال الأريب العاقل هو الفطن
المتغافل.

فسحة الواحة
أمر الحجاج صاحب حرسه أن يطوف بالليل فمن رآه بعد العشاء سكران ضرب عنقه.
فطاحت ليلة من الليالي فوجد ثلاثة فتيان يتمايلون وعليهم أمارات السكر.
فأحاطت بهم الغلمان. وقال لهم صاحب الحرس: من أنتم خالفتم أمر المؤمنين
وخرجتم في مثل هذا الوقت. فقال أحدهم:
أنا من دانت الرقاب له … ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة … يأخذ من مالها ومن دمها
فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين. ثم قال للآخر: وأنت من تكون. فقال:
أنا ابن من لا تنزل الدهر قدره … وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره … فمنهم قيام حولها وقعود
فأمسك عنه وقال: لعله ابن أشرف العرب. ثم قال للآخر:
وأنت من تكون. فأنشد على البديهة:
أنا ابن من خاض الصفوف بعزمه … وقومها بالسيف حتى استقامت
وركبتاه لا تنفك رجلاه منهما … إذا الخيل في يوم الكريهة ولت
فأمسك عن الآخر وقال: لعله ابن أشجع العرب واحتفظ عليهم.
فما كان الصباح رفع أمرهم إلى أمير المؤمنين فأحضرهم وكشف عن حالهم. فإذا
الأول ابن حجام. والثاني ابن فوال. والثالث ابن حائك. فتعجب من فصاحتهم
وقال لجلسائه: علموا أولادكم الأدب فوا لله لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم.
)جواهر الأدب(

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *