الإسهال الفكري عند العلمانيين إلياس الهاني

يقوم الخطاب العلماني على تزكية فكره وتحسين صورته بكل الوسائل المتاحة له، وذلك قصد جلب قاعدة جماهيرية قوية يستند إليها ويتكئ عليها في تمرير طرحه، نقتبس من ذلك نصا للعلماني علي حرب يعترف للنخبة العلمانية الحداثية بذلك ويجعله شعارا وسمة بارزة لهم، يقول:
«يتكلم (أي العلماني الحداثي)على أشكال التسلط أو على آليات التلاعب بالحقيقة؛ أعني: أنه يخفي حقيقته وسلطته، ويتستر على فعله وأثره، ويتناسى مخاتلته وألاعيبه، وهكذا فالمثقف يعلن انحيازه إلى المقهورين في مواجهة سلطة القهر، فيما هو يشكل سلطته ويمارس سيطرته، أو يعلن أن شاغله هو كشف الحقائق فيما هو يصنع حقيقته عبر نصه وخطابه، أو هو يحدثنا عن حلمه بمجتمع تنويري تحريري قائم على المساواة فيما هو يمارس نخوية، ويعجب إرادته في التفرد والتمايز»[1].
فهذه حقيقة العلمانيين يتسترون خلف شعارات لتحقيق أهدافهم ومراميهم الشاذة والدخيلة على المجتمعات الإسلامية، فهم فقط يرددون ويكررون أسطوانة الغربيين المشروخة في تنظيرهم ورؤاهم حول العلمانية والحداثة وما إلى ذلك، ولو أنهم أعملوا فكرهم وعقلهم -متجردين من كل الأفكار والأيديولوجيات الغربية- في إبراز المعالم الحقيقية التي وصل إليها الغربيون من أخذهم بالمنهج التجريبي المعبر عن روح الحضارة الأوربية وتقدمها وازدهارها في القسم المادي منها، فلو فعلوا ذلك لكفوا مؤونة عظيمة وخدمة جليلة لمجتمعاتنا، لكن عندما يصبح الهوى والمال هو المقود والخريت فلا عجب حينئذ أن نشاهد هذا التجرد والتنكر لهوية المجتمع وثقافته.
كما صرح أحدهم وهو سلامة موسى: «هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي، سرا وجهرة، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب، وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التي اتسمت بها أوروبا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب ويتنصلون من الشرق»[2].
فطرحهم إذن لا يتجاوز التقليد الأعمى للغرب، يقول العلماني علي حرب في «كتابه الممنوع والممتنع نقد الذات المفكرة» عن إخوانه العلمانيين: «المثقف العربي هو صنيعة الغرب بمعنى من المعاني»، ويقول أيضا: «لذا فهو (أي العلماني) إذ يجابه الغرب مدافعا عن هويته، فإنه يتحدث غالبا بلغة الغرب، ويستعير وجهه أو يضرب بيده؛ أعني: يستخدم أدواته، ولكنه لا يفيد في النهاية من هذا الغرب ما يبني به قوته ويفرض حقيقته ويصنع عالميته، وإنما يأخذ منه ما يعيد به إنتاج عزلته وهشاشته وضيق أفقه».
فالعلماني حسب علي حرب صنيعة الغرب، والحق ما شهدت به الأعداء، فلا يتجاوز الأمر إسهالا فكريا تتعدد مظاهره، فمن طرح الأفكار دون تفكير أو اكتراث إلى التشتيت في المواضيع، وكأن العلمانيين مجبرون على هذا كما في حالة مرض الإسهال الحقيقي.
فهذا سعيد لكحل يتأسف على اعتبار الإفطار في رمضان جنحة، وعدم فتح حانة قرب مسجد[3]!!!
وهذا الجزائري محمد أركون يعتبر أن: «كلمة إسلام هي كليا وبدون أي تردد أو حصر عبارة عن سلسلة من التركيبات المصطنعة، والتلاعبات والاستخدامات الاستغلالية التي يقوم بها البشر (الإنسان) بصفتهم فاعلين حاسمين وشبه حصريين للتاريخ الأرضي المحسوس»[4].
فهم دائما ما يرددون كلام أسيادهم من المستشرقين من أن القران الكريم ليس مصدرا إلهيا إنما صنعة بشرية، فيقول العلماني التونسي عبد الوهاب «المؤدب»: «نفهم كيف أن اليد البشرية تدخلت في فبركته وصنعه»[5].
فهكذا ينزلون القرآن إلى ما أنزل الغرب كتبهم من التوراة والإنجيل اللذين نالتهما أيدي العبث والتحريف، بل ويعتبرون أن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير شأن خاص لا دخل للإسلام فيه وكأن الأمر مجرد شيء خفيف لا يتجاوز ذاتية الشخص وهواه.
فيقول سيد القمني: «ومن تعف نفسه شرب الخمر وأكل الدم أو لحم الخنزير فلا يفرضها على غيره، فهي شؤون ذاتية تتعلق بالذوق الخاص جدا، ولا تلزم الآخرين بها»[6].
فالقوم حقا انتكست فطرهم فالذي يطالع كتاباتهم يجد أنهم سبب تخلفنا الحضاري والمادي والعلمي والتكنولوجي وإن زعموا عكس ذلك؛ لأنهم قذفوا في وعي الناس أن السبيل الوحيد لتدارك ما نحن عليه هو اقتفاء أثر روما؛ وبمجرد تنكب هذا الطريق فالتخلف حالنا دائما وأبدا!!
لذا فهم يعملون على توجيه المجتمعات المسلمة للسير على منهاج العلمنة والحداثة والحيلولة دون الأخذ من معين الحضارة الإسلامية لتحقيق النهضة المنشودة؛ هذه الحضارة العظيمة التي تبشر العالم بالعدالة، ولا تتاجر بالإنسان وتنكس فطرته وتشوه عقيدته وتحرف سلوكه.
إن ما يقوم به العلمانيون من إسهال فكري لهو أمر شنيع للغاية، ويفتقد للعلمية والموضوعية في التناول والطرح لمختلف القضايا، لذا لزم كشف القناع عنهم حتى تتضح حقيقة ما يستندون إليه ويبشرون به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] -أوهام النخبة ص56.
[2] – الإسلام بين التنوير والتزوير ص117.
[3] -العلمانية مفاهيم ملتبسة ص275.
[4] – نحو نقد العقل الإسلامي ص214.
[5] – الإسلام والانغلاق اللاهوتي ص 135.
[6] – انتكاسة المسلمين إلى الوثنية ص161.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *