آيات تفهم على غير وجهها سورة القصص إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ} (الآية: 4).
في هذه الآية الكريمة نجد كلمة {يستحيي} والتي تفهم على أنها بمعنى ينتهك أعراضهن، أو يستحييهن من الحياء، لكن الصواب خلاف ذلك.
فجمهور المفسرين قالوا: {يستحيي} أي: يستبقي نساءكم أحياء فلا يقتلهن.
فالاستحياء استفعال يدل على طلب الحياة كالاستسقاء والاستبقاء.
وفي لسان العرب: استحياه، أبقاه حيا.
قال اللحياني: «استحياه استبقاه حيا ولم يقتله» وبه فسر هذه الآية.
وعليه فيستحيي في الآية من الحياة لا من الحياء كما يتبادر إلى الأذهان، ففرعون كان يستبقي الإناث على قيد الحياة ويقتل الذكور.
– قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (الآية: 11).
«عن جُنُبٍ» تفهم على غير وجهها.
قال ابن جرير الطبري: «وقوله: {فبصرت به عن جنب} يقول: فبصرت بموسى عن بُعد لم تدنُ منه ولم تقرب لئلا يعلم أنها منه بسبيل».
قال الواحدي: «{وقالت لأخته} لأخت موسى، {قصيه} اتَّبعي أثره، فاتَّبعته {فبصرت به عن جنب} أبصرته من بعيد {وهم لا يشعرون} أنَّها أخته».
قال ابن قتيبة: «ومعنى {قصيه}: قصي أثره واتبعيه، فبصرت به عن جنب أي: عن بعد منها عنه».
ونظير ذلك قوله تعالى في سورة النساء: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} (الآية: 36).
قال البغوي: «{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} أي: البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة».
قال الماوردي: «{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} فيه قولان، أحدهما: الجار البعيد في نسبه الذي ليس بينك وبينه قرابة، وهو قول ابن عباس ومجاهد؛ والثاني: أنه المشرك البعيد في دينه».
والجُنب في كلام العرب هو البعيد.
– قوله تعالى: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (الآية: 20).
كلمة {يَسْعَى} يتبادر إلى الأذهان على أنها من المسألة والسؤال وطلب المال، بيْد أنها من السعي وهو المشي السريع الخفيف دون الشدة.
قال البغوي: «{يَسْعَى} أي: يسرع في مشيه».
قال العلامة محمد جمال الدين القاسمي: «{يَسْعَى} أي يسرع في المشي، حيث سمع بالرسل».
وفي تفسير المراغي: «وجاء من أطراف المدينة رجل يعدو مسرعا».
يؤكد هذا المعنى العلامة التونسي الطاهر بن عاشور في إشارة ماتعة بقوله: «ووصف الرجل بالسعي يفيد أنه جاء مسرعا، وأنه بلغه همُّ أهل المدينة برجم الرسل أو تعذيبهم، فأراد أن ينصحهم خشية عليهم وعلى الرسل، وهذا ثناء على هذا الرجل يفيد أنه ممن يقتدى به في الإسراع إلى تغيير المنكر».
ونظير ذلك، قوله تعالى: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ} (سورة طه: 20).
قال أبو محمد البغوي: «{تَسْعَى} تمشي بسرعة على بطنها».
– قوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} (الآية: 38).
هذه الآية تفهم على غير وجهها، فكيف يُوقد على الطين؟
قال القرطبي: «أي: اطْبُخْ لِي الْآجُر، عن ابن عباس رضي الله عنه؛ وقال قتادة: هو أول من صنع الآجُر وبَنَى به».
قال ابن كثير: «أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين، ليتخذ له آجُرا لبناء الصرح».
ففرعون أمر وزيره هامان بطبخ الطين لصناعة اللبن من الفخار.
يقول العلامة ابن عاشور: «وأراد بقوله {فأوقد لي يا هامان على الطين} أن يأمر هامان العَمَلةَ أن يطبخوا الطين ليكون آجُرا ويبنوا به، فكنَّى عن البناء بمقدماته وهي إيقاد الأفران لتجفيف الطين المتخذ آجرا. والآجر كانوا يبنون به بيوتهم فكانوا يجعلون قوالب من طين يتصلّبُ إذا طُبخ، وكانوا يخلطونه بالتبن ليتماسك قبل إدخاله التَّنُّورَ كما ورد وصف صنع الطين في الإصحاح الخامس من سفر الخروج.
وابتدأ بأمره بأول أشغال البناء للدلالة على العناية بالشروع من أول أوقات الأمر لأن ابتداء البناء يتأخر إلى ما بعد إحضار مواده، فلذلك أمره بالأخذ في إحضار تلك المواد التي أولها الإيقاد، أي إشعال التنانير لطبخ الآجر؛ وعبر عن الآجر بالطين لأنه قوام صنع الآجر وهو طين معروف».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *