خرافـات الغـرب ذ.الحسن العسال

أينما وليت وجهك فلا تجد لبني علمان حديثا إلا عن “سلبيات” الإسلام، و”عيوب” تراثه، بينما تجدهم يصمون الآذان، ويظلون عميا مدى الدهر عن فظائع الغرب، التي لا تحتاج إلى تنقيب أو تمحيص أو سبر، لأنها على الملأ بادية، وعلى السطح طافية، إلا أن الهوى يفعل بصاحبه الأفاعيل، والقوم مغرمون متيمون.
فالغرب عندهم عقلاني إلى ما لا نهاية، إلى درجة أنه لا يتبادر إلى أذهانهم أن به أدنى نقيصة، وهذا ما علَّمَتْهموه الأنوار، على الرغم من إيمانهم العميق بنسبية الحقيقة!
لكن الناظر لأحوال الغرب على المستوى الاجتماعي والفكري وحتى العلمي يجد خلاف ما يعتقده بنو علمان فيه.
والأمثلة عبر التاريخين الغابر والمعاصر أكثر من أن تحصى عددا.
ومع ذلك فبنو علمان عندما يتحدثون عن أساطير الغرب وخرافاته، لا يخرجون عن نظرة التسامي التي سطرها لهم الغرب، مع أنها مجرد أساطير وخرافات، ليست من الفكر ولا العلم في شيء، لكنه السحر يذهب بالألباب، ويصيب المرء بحالة تتراءى له فيها أشياء لا حقيقة واقعية لها.
إن الحديث الأكاديمي عن أساطير اليونان يتم بنوع من التبجيل والتسليم، النابع من سلطة المعرفة التي يمارسها الغرب على أتباعه، مما يجعلهم “منومين مغناطسيا”، لا يلوون على شيء خارج ما حدده الفكر الغربي.
وحتى نضع النقط على الحروف نبدأ بأحد سدنة الفكر الغربي الذي يحتفي به بنو علمان، ويتخذونه قدوة تحتذى، ألا وهو سيغموند فرويد، الذي اشتهر عنه مفهوم عقدة أوديب، التي تعني عنده عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها، وفي المقابل يغار عليها من أبيه، الذي يكرهه.
والغريب أن عقلانية الغرب لم تمنع فرويد من أن يستله من أسطورة إغريقية ملخصها: أن أوديب التي تعني باللغة اليونانية (ذو الأقدام المتورمة) بسبب دق أبيه مسامير في قدمه فتورمت، لأن عرافا أخبره -أي الأب- أنه سيقتل على يد ابنه -أوديب-، وكذلك كان حسب الأسطورة، بل وتزوج أمه. وهناك تفاصيل غاية في الخرافية، ومع ذلك تدرس هذه الخرافة على المستويين الأدبي والفلسفي والعلمي، دون النظر إلى إيغالها في السطحية والسفول، ويتلقاها الكبار والصغار كمسلمة لا تحتاج إلى تفكير، والحق أنها لا تستحق حتى مجرد الذكر.
وارتباطا بعقدة أوديب هذه، هناك عقدة أخرى تدعى عقدة “إليكترا”، ملخصها أن فتاة وشقيقها أقدما على قتل أمهما وعشيقها، ثأرا لأبيهما. فاستخلص منها فرويد “عقدة أوديب الأنثوية”، والتي تشير إلى تعلق الفتاة اللاواعي بأبيها، وغيرتها من أمها، وكرهها لها. هكذا أصبحت الأساطير علما، فضلا عن أنها مليئة بالخيانة والإجرام.
إضافة إلى مفهوم “الشخصية النرجسية” الذي تم استعارته من أسطورة نرجس الذي أغرم بصورته في الماء، إلى درجة أنه لقي حتفه بسبب ذلك.
وهناك خرافة دارون التي كانت تعتبر إلى أمد قريب نظرية علمية، ومن شكك فيها اتهم في عقله.
ولدحض هذه الخرافة، التي شغلت الدنيا والناس، خصوصا ما يتعلق بأصل الإنسان الذي زعم دارون أنه قرد، قال الشيخ الزنداني إنه تم العثور على أقدم هيكل عظمي في إثيوبيا، عمره أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة، سمي “أردي”، اعتبر دليلا إضافيا على أن أصل الإنسان لم يكن أبدا قردا، كما نؤمن به -نحن المسلمين- الذين لم تؤثر فينا خرافة دارون في عز انتشارها، والرد البسيط على هذا الهراء، هو لماذا توقف تطور الإنسان؟
أما ما يملأ دنيا الغرب وناسه اليوم، هو لوحة “العشاء الأخير للسيد المسيح”، المتضمنة لإشارات خفية، ترمز إلى أسرار كفرية، آمن بها سلالة فرسان الهيكل، الذين عبروا عنها بواسطة رسومات، ترويجا لها، وهروبا من قبضة الكنيسة الكاثوليكية آنئذ.
فإذا كان النيل من شخصية السيد المسيح عليه السلام ودينه، باتهامه بإقامة علاقة محرمة أو غير محرمة، حسب الروايات، بمن سميت بمريم المجدلية خطيرا جدا، لأنه طعن في نبي من أنبياء الله تعالى. فإن الخطير أيضا، هو تفاعل الغرب “العقلاني” مع هذه اللوحة وتأثره بمضمونها، الذي يصل تأويله إلى غضب حواريي المسيح منه، لاتهامه عليه السلام بالخيانة العظمى بسبب زواجه من مومس! مما فسخ “نبوته”، وأدى بالتالي إلى صلبه!
خرافات تلو خرافات، والغرب العقلاني جدا يصدق هذا كله!
وبعد الترويج للوحة، تم كتابة رواية بعنوان “شفرة دافنشي”، وصلت مبيعاتها إلى حدود مارس 2006، حوالي 60.5 مليون نسخة، ثم ثُلِّث بشريط سينمائي يتناول قصة الرواية، في ماي 2006!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى صدور عدة كتب تناولت موضوع الرواية! ولا أحد من بني علمان تحدث عن حواشي وحواشي حواشي اللوحة الأصلية، كما ينتقدون التراث الإسلامي بذلك.
ثم هناك سلسلة “هاري بوتر” الشهيرة، المكونة من سبعة كتب، التي تعج بالسحر والشعوذة، ومع ذلك، كان عليها إقبال منقطع النظير من الغرب الحداثي المتحضر، الذي لو كان كذلك لما تم اللجوء إلى الرواية التي، مهما كانت عبقرية مؤلفها، لا تعدو أن تكون تعبيرا عاطفيا يخاطب الوجدان لا العقل، وإلا لكان التعامل مع المسألة بشكل علمي عن طريق دراسة أكاديمية، عوض خلط الحق بالباطل، والحقيقة بالخيال، لأن الرواية تحتضن في ثناياها قضايا ومواضيع شتى، ومتناقضة، من قبيل بشرية المسيح عليه السلام، وزواجه غير المرغوب فيه.
إذا، بما أن الغرب متحضر وحداثي وعقلاني، لم يهتم بروايات وأفلام السحر، والأسرار الخرافية، التي يستلذها العقل البدائي؟
بل لماذا لازال الغرب مرتبطا بماضيه الخرافي، يستلهم منه فكره وعلمه، في الوقت الذي يروج فيه لأن نقطع كل صلة بماضينا التليد، بدعوى الرجعية والماضوية والتخلف؟
ولماذا وهو العقلاني، لازال مولعا بأفلام الرعب والأرواح الشريرة، ومصاصي الدماء؟
أسئلة أطرحها، عسى أن يتصدى لها بنو علمان للإجابة عنها.
وكتوابل خرافية لهذا المقال، أذكر بالخرافات والطقوس الأسطورية المرتبطة بميلاد المسيح عليه السلام، والتي يتم الاحتفاء بها دون تفكير، كما أشير إلى خرافة تنتشر في جنوب إيطاليا، إذ يعلق بعض الأطفال في أعناقهم كيسا يحتوي على قطعة من حبلهم السري المجفف لمنع الحسد.
وفي أوروبا يشربون الحليب في يوم محدد من أيام السنة توهما منهم، بأن ذلك سيجعل سنتهم بيضاء.
وهكذا الخرافات في المجتمع العقلاني تتعايش مع الحضارة الحداثية، دون أن يعكر صفوها أحد، من متطفلي الفكر والسياسة والإعلام، والأبراج دليل يومي على العقل الخرافي الذي يتهم به الغرب الآخر، وهو المتمتع به بامتياز، في غفلة من العالم كله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *