هنالك مسرح منصوب علناً لمجريات الحرب الدولية/ الإقليمية على «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وهو مسرح يختلط فيه الحابل بالنابل، ويتداخل الحقيقي مع الزائف، الأمر الذي قد يكفي لخداع قراء العناوين الذين يكتفون بالزبد الذي يذهب جُفاءً.. فهم يستسهلون الواقع ويرتاحون للتفسيرات الأحادية الساذجة، ويريحون رؤوسهم من صداع التحليل واستبصار الخفايا، في عالَمٍ يقوم على السرية الشديدة في أهم قضاياه وفي صناعة قراراته الكبرى.
يتضمن المشهد المكشوف واشنطن -واشنطن أوباما المتردد العاجز فهكذا رسموه وقدموه- تقود حلفاً يضم 40 دولة لمحاربة داعش، التي سيطرت على مساحات غير قليلة ومتلاصقة في سوريا والعراق..
صحيح أن الحلفاء ليسوا على قلب رجل واحد، وأن كثيراً منهم يناوئون داعش لأسباب ورؤى مختلفة عن الأسباب والرؤية الأمريكية.. بل إن التباين حاصل بين كل منهم والآخرين.. لكن ذلك كله ليس بذي أهمية، فهو معروف، لا يثير سخط أمريكا التي تتفهمه وتضعه في سياقه، ما دام لا يمس أهدافها الأساسية. فهي ربان المركب وهي التي تقرر مساراته ومحطاته، وهي التي توزع الغنائم -إذا فازت- وتحدد المغارم -سواء أربحت حربها أم خسرتها-…
المثير للانتباه هو غياب إيران عن المسرح غياباً كلياً!!
سيقول المبهورون بديكور المسرح وملابس الممثلين: إن طهران مستاءة لأن الغرب رفض بلباقة التنسيق معها في هذه الحرب المهمة، ورفض بغلظة القبول بصبيها بشار ولو في دور «كومبارس»، مع أن عرضه المهزلة أطلق رصاصة أخيرة على كذبة المؤامرة الكونية ضد نظامه، إذ تسول من واشنطن -قائدة المؤامرة المفتراة- أن ترضى به جندياً شكلياً فأبت..
وفات هؤلاء المشاهدين البلهاء أن يرصدوا كواليس المسرح مع أنها فاضحة..
فالحرب على فريق محسوب على أهل السنة -عدو الصفويين الوحيد- إن لم يكن التنظيم فالبيئة التي يعيش فيها!!
ويكفي أن كل جرائم خامنئي وصبيانه: بشار والمالكي وحسن نصر الله، لا تدخل في «الإرهاب» الذي يتصدى له الغرب ويجبر العالم على الاشتراك في ملاحقته..
إن إدخال دولة الولي الفقيه يفسد الحرب ويفضحها جذرياً، ويؤدي إلى انسحاب كثير من الحلفاء الحاليين منها.. وإن تنحية إيران اليوم عن الحرب على «الإرهاب السني حصراً» تشبه إقصاء الكيان الصهيوني عن حرب 1991م على عراق صدام حسين: لا تتدخلي ونحن نحقق لك ما تشتهين وأكثر !!
فلماذا يتكبد المجوس الجدد أي عناء، ما دام الحصاد يصب في خزائنهم؟
لقد فاحت روائح الغايات الخبيثة لدى الأمريكان من حربهم هذه، ابتداء من جريمة تصفية قيادات عسكرية ثورية سورية مع أنها تعادي داعش وتحاربها!! وانكشفت معالم الصفقة الأمريكية للإجهاز على الثورة السورية، بالتنسيق مع خامنئي: إبعاد الطاغية بشار الذي خسر حتى حاضنته النصيرية مؤخراً.. وإنشاء نظام بديل شكلاً على غرار حكومة العبادي في بغداد، حيث تبقى الأقليات مسيطرة على سوريا مع تبعيتها الكاملة للولي السفيه..
ويوم أمس، افتضحت صفحة تكفي لمعرفة أبعاد هذه المؤامرة البشعة، من خلال رواية أدلى بها للفضائيات جنود البيشمركه الأكراد عن تصفية فيلق بدر الرافضي أهل قرية سنية في محافظة صلاح الدين بعد دحر داعش منها، وقدموا إفادات متطابقة عن وجود مقاتلين إيرانيين مع قطعان الرافضة المحليين !!
المحزن أن حمقى داعش لم يدركوا جسامة ما فعلوه ببغيهم ودمويتهم وجهلهم أحكام الشرع المطهر-أو تعسفهم في تحريفها عن حقائقها- ولا سيما أن كل الذي «ربحوه» هو إضعاف أهل السنة وتمزيق صفهم وإشغالهم عن عدوهم..
ولو توفر للثورة السورية رعاية رسمية علنية وجادة توازي الرعاية الرسمية المطلقة من الصفويين لعميلهم في دمشق، لما استطاعت داعش التسلل من خيبة أمل الشعب السوري الذي تآمر عليه العالم، وخذله أهله المأمورون بنصرته بالسلاح والمال والعتاد، وذلك أضعف الإيمان.