آيات تفهم على غير وجهها – سورة الأعراف – إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} (الآية: 4).
كلمة {قَآئِلُونَ} تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: «و{قائلون} من القائلة وهي القيلولة، وهي نوم نصف النهار؛ وقيل: الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم.
والمعنى: جاءهم عذابنا وهم غافلون إما ليلا وإما نهارا».
قال ابن عاشور: «ومعنى قائلون: كائنون في وقت القيلولة، وهي القائلة، وهي اسم للوقت المبتدئ من نصف النهار المنتهي بالعصر، وفعله: قال يقيل فهو قائل، والمقيل الراحة في ذلك الوقت، ويطلق المقيل على القائلة أيضا».
وفي «الدر المصون في علوم الكتاب المكنون»: «و{قائلون} من القَيْلُولة. يقال: قال يَقيل قَيْلولة فهو قائل كبائع. والقيلولة: الراحةُ والدَّعَةُ في الحر وسط النهار وإن لم يكن معها نوم».
وقال الليث: «هي نَوْمَةُ نصف النهار». قال الأزهري: «القيلولة: الراحة وإن لم يكن فيها نوم، بدليل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} (الفرقان: 24)؛ والجنةُ لا نومَ فيها».
قلت: ولا دليلَ فيما ذكر، لأنَّ المقيل هنا خرج عن موضوعه الأصلي إلى مجرد الإِقامة، بدليل أنه لا يُراد أيضاً الاستراحة في نصف النهار في الحر، فقد خَرَجَ عن موضوعه عندنا وعندكم إلى ما ذكرته لك. والقيلولة مصدرٌ، ومثلها: القائلة والقَيْل والمَقيل.
– قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (الآية: 53).
كلمة {تَأْوِيلَهُ} تفهم على غير وجهها.
قال أبو جعفر: «يقول تعالى ذكره: {هل ينظرون إلا تأويله}، هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه {إلا تأويله}، يقول: إلا ما يؤول إليه أمرهم، من ورودهم على عذاب الله، وصِلِيِّهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به».
قال القاسمي: «{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} أي ما ينتظرون إلا ما يؤول إليه أمره، من تبيّن صدقه، بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد. قال الشهاب: فالنظر هنا بمعنى الانتظار، لا بمعنى الرؤية؛ والتأويل بمعنى العاقبة، وما يقع في الخارج، وهو أصل معناه».
قال الأستاذ رشيد رضا: «{هل ينظرون إلا تأويله} أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله، وهو ما يؤول إليه ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا ثم في الآخرة؛ فالنظر هنا بمعنى الانتظار، وتأويل الكلام كتأويل الرؤيا هو عاقبتهما؛ والمآل الذي يتحقق به المراد منهما».
– قوله تعالى: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} (الآية: 141).
كلمة {يَسْتَحْيُونَ} تفهم على غير وجهها، حيث يتبادر إلى الأذهان أنها بمعنى ينتهكون أعراضهن، أو يستحيونهن من الحياء، لكن الصواب خلاف ذلك.
فجميع المفسرين قالوا: {يستحيون} أي: يستبقون نساءكم أحياء فلا يقتلونهن.
فالاستحياء استفعال يدل على طلب الحياة، كالاستسقاء والاستبقاء.
وفي لسان العرب: «استحياه: أبقاه حيا».
قال اللحياني: «استحياه: استبقاه حيا ولم يقتله، وبه فسر هذه الآية».
قال الطبري: «{ويستحيون نساءكم}، يقول: يستبقون إناثهم فلا يقتلونهن».
وعليه فيستحيون في الآية: يستبقونهن أحياء من الحياة لا من الحياء، كما يتبادر إلى الأذهان.
– قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} (الآية: 145).
كلمة {كَتَبْنَا} تفهم على غير وجهها.
قال بعض المفسرين: «{وَكَتَبْنَا} فرضنا، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (البقرة: 183)، أي فرض».
وقد ذُكر عن الحكيم الترمذي أن اللفظ على حقيقته.
قال القرطبي: «وأضاف الكتابة إلى نفسه على جهة التشريف، إذ هي مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر؛ واستمد من نهر النور. وقيل: هي كتابة أظهرها الله وخلقها في الألواح».
قال ابن عاشور: «وأسندت الكتابة إلى الله تعالى لأنها كانت مكتوبة نقشا في الحجر من غير فعل إنسان بل بمحض قدرة الله تعالى، كما يفهم من الإصحاح الثاني والثلاثين، كما أسند الكلام إلى الله في قوله: {وبكلامي} (الأعراف: 144)».
قال الشعراوي: «والكتْب هو الرقم بقلم على ما يكتب عليه من ورق أو جلد أو عظم أو أي شيء؛ وعندما يقول ربنا: {وَكَتَبْنَا} فالله لم يزاول الكتابة بنفسه، ولكن أرسله من الملائكة يكتبون بأمر من الحق، وهو القائل: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ…} (يس: 12).
وكتابة الرسل من الملائكة لأعمالنا هي بالأمر من الله، ومرة ينسب الأمر إلى الأعلى، أو ينسب إلى المباشر أو إلى الواسطة: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً}».
قال رشيد رضا: «وإسناد الكتابة إليه تعالى إما على معنى أن ذلك كان بقدرته تعالى وصنعه لا كسب لأحد فيه، وإما على معنى أنها كتبت بأمره ووحيه، سواء كان الكاتب لها موسى أو الملَك عليهما السلام، كما قال بعض المفسرين».
قال الفخر الرازي: «وأما كيفية الكتابة فقال ابن جريج: كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور.
واعلم أنه ليس في لفظ الآية ما يدل على كيفية تلك الألواح، وعلى كيفية تلك الكتابة، فإن ثبت ذلك التفصيل بدليل منفصل قوي، وجب القول به وإلا وجب السكوت عنه».
– قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} (الآية: 176).
جملة {إِن تَحْمِلْ} تفهم على غير وجهها.
الذي يتبادر إلى الذهن أن {تحمل عليه} بمعنى ترفع عليه الأحمال والأثقال، ولكن المعنى مختلف تماما، فكلمة {تحمل عليه} بمعنى تطرده وتزجره.
قال ابن العربي المالكي: «والمعنى أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر، وإن تركته لم يهتد، فالحالتان عنده سواء، كحالتي الكلب إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثا، وإن ترك وربض كان لاهثا».
قال القتيبي: «كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب، فإنه يلهث في حال الكلال وفي حال الراحة وفي حال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته فقال: إن وعظته فهو ضال، وإن تركته فهو ضال، كالكلب إن طردته لهث، وإن تركته على حاله لهث».
قال أبو جعفر: «يقول تعالى ذكره: فمثل هذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، مثلُ الكلب الذي يلهث، طردْته أو تركته».
قال القرطبي: «فالمعنى أنه لاهث على كل حال، طردته أو لم تطرده. قال ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، كذلك الذي يترك الهدى لا فؤاد له، وإنما فؤاده منقطع».
والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *