كنا ومازلنا نتمنى على وزارة الشؤون الإسلامية في مملكتنا المغربية وضع استراتيجية موحدة لمواجهة وتعرية وفضح منهج الجماعات الإرهابية المتطرفة، ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بما في ذلك دعوى “الخلافة المزعومة”.
فهل تدرك الوزارة الوصية التأثيرات المحتملة والخطيرة لهذه الفئات الضالة على شباب مغربنا وأمتنا؟؟
أتمنى ذلك، أتمنى أن تشرع الوزارة بعمل خطة واضحة المعالم والأهداف تعمل من خلال منابر الجمعة والعمل الدعوي البناء في مختلف المجالات، ووسائل الإعلام المتنوعة، لفضح أفكارها، وبيان النصوص الشرعية الواردة في حكمها بجلاء، وأن هذه الفئة وهذه الجماعات المتطرفة ينبغي أن تكون محل عناية من العلماء والباحثين والمتخصصين ومن قبل الوزارة لبيان حقيقة هؤلاء الخوارج للناس على كافة المستويات، والسعي من خلال تلك الوسائل إلى فضح أفكار هذه الفئة الخارجة وبيان النصوص الشرعية في حكم هؤلاء وأمثالهم، وبيان ما تكلم به أهل العلم قديما وحديثا حول هذه الفئة الضالة والخارجة عن جماعة المسلمين، والتي بلا شك أن هناك أيد خفية تحركها من أعداء الدين والوطن الذين يستهدفون عقيدتنا وأمننا وأوطاننا
كما أتمنى على الوزارة الاهتمام بلغتنا العربية التي تعاني الإهمال العمدي لتعلمها، وبرهان ذلك أنك لو سألت أيا من الوالدين عن المدرسة التي يريدانها لأولادهم عندما يبلغ سن التمدرس، ستفاجأ أن معظمهم يرغبون في إلحاق أولادهم بالمدارس الخاصة والبعثات الأجنبية “الفرنسية الإسبانية الإنجليزية”، وهذا الأمر يؤكد أن اللغة العربية أصبحت غير مقبولة من بعض أهلها، متصورين أنهم بذلك حشروا أنفسهم في زمرة العالم المتحضر، ولابد أن تدرك الوزارة أن عدم الحفاظ على اللغة خيانة مقصودة لتراث الأمة وحضارتها، وأن الوقت قد حان لإحداث تغييرات جوهرية في مناهج التعليم للغة العربية، لأن لغتنا أساس الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، ومن يلتزم بها فإنما يعبر عن انتمائه.
فكل شعوب العالم تعتز بلغتها وتتمسك بها مع احترامنا للهجات، ولذلك فنحن نطالب بالحفاظ على أخص خصوصياتنا كدولة مسلمة، ولاريب أن إهمال اللغة العربية جعل الشباب لا يجيدونها، وبالتالي لا يقدمون على قراءة الكتب الدينية الصحيحة التي تقدم لهم التفسير الصحيح للمفاهيم والمصطلحات الدينية ليتأثروا بهؤلاء الذين يروجون لهم المعلومات المغلوطة عن الدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا الجهادية منها، خاصة وأن هؤلاء المتطرفين كداعش ومن في فلكهم يدور يسوقون معلومات محرفة، ويحرصون على استخدام اللغة التي يفهمها الشباب واستخدام لغات لا علاقة لها باللغة العربية من قريب أو بعيد كما حصل مع بعض المستقطبين من دول أوربا وأمريكا، لذلك فإن إهمال الشباب والنشء للغة العربية هو بداية سيطرة الأمية الدينية عليهم، وبالتالي خضوعهم لكل من يسوق أمامهم معلومات دينية خاطئة، وعلى رأسها الجماعات المتطرفة والإرهابية.
وبرهان ذلك أيضا أن فتنة هذه الخلافة المزعومة التي فجأة لقيت قبولا عند بعض سفهاء الأحلام من الشباب في وطننا المغرب في ظل غياب خطة رصينة ومحكمة لمواجهتها، حيث أظهروا فرحهم بها كما يفرح العطشان بالماء، بل وفيهم من زعم مبايعة هذا الخليفة المجهول النكرة الذي يفتقد إلى أدنى شروط الأهلية فضلا عن الخلافة!
وكل منصف عالم ناصح بل ومن باب بيان الحق والنصح للخلق، يعلم أن خلافته باطلة، هو ومن بايعه وعاضده من الجهلة الذين ضربوا بالشرع والعقل عرض الحائط، بل إن البغدادي فاقد للأدنى، وليس عنده من العلم والخبرة والرأي ما يؤهله لإمارة قرية فضلاً عن خلافة المسلمين، وهذا الواقع أكبر شاهد على ذلك، ولا شك أن البغدادي ليس من أهل العلم، بل هو مرتكس على أم رأسه في حضيض الجهل، وكذلك ليس من أهل الرأي والعقل، بل هو مكبل بقيود السفاهة والطيش، فمبايعة البغدادي على الخلافة، تعاون على الإثم والعدوان، وإهلاك لأهل الإيمان، وبعض أولئك الذين بايعوه من المغاربة صاروا يطلقون تهديداتهم ووعيدهم لأرض مملكتنا الحبيبة حفظها الله من مكرهم وكيدهم ومؤامراتهم الدنيئة الساعية إلى جر البلاد إلى مستنقع الفتن والويلات، كيف يُرتجى خير ممن ابتلوا بالتكفير والتقتيل بأشنع القتل وأفظعه؟! أقول وبكل حرقة: إن ما تفعله “داعش” إنما أسهم في تشويه الإسلام ومفاهيم الدولة الإسلامية.
والغريب أن التنظيمات الإرهابية “داعش” والقاعدة ومن شابههما يرفعون علما كتب عليه “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” وكأنهم يمعنون في تشويه هذه المعاني، وبالتالي تشويه الإسلام، ولا أدل على استخفاف “داعش” بالإسلام استخفافها بالدماء التي عظم الدين الحنيف حرمتها واحتاط لها غاية الاحتياط، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أنه قال: “ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه”.
إن الواجب على الوزارة أن تعنى بالشباب وتوجيههم، وعلى الشباب أن يربأوا بأنفسهم عن الانسياق وراء نعيق كل ناعق، وأن يكون الرجوع في كل التصرفات إلى ما جاء عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك العصمة والسلامة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأن يرجعوا إلى العلماء الناصحين لهم وللمسلمين.
الخلاصة: لابد من دور لوزارة الأوقاف لأنها معنية بالدرجة الأولى، ودور للعلماء في حراسة الدين والدولة، خصوصا إذا وقعت الفتن، وتشتت الآراء، واضطربت الأفكار.
وذلك من خلال، التوجه إلى الجميع بخطاب مصحوب بخطة عمل رشيدة، يؤكدان على أن وحدة الصف، هو تكليف شرعي، وأن الخلاف خروج عن هذه القاعدة، إضافة إلى ضرورة التصدي لأسباب الغلو والتطرف والفتن على المستوى الشرعي، لمن أنعم الله عليهم بالفقه في الدين، وفهم الوقائع والأحداث، إذ إن عصمة الأمة تكمن في وحدتها، واجتماعها، والحفاظ على قيمها، والتأكيد على أثر الوحدة في قوة ترابط المجتمع، وزيادة التلاحم بين الراعي والرعية، وأنه مهما ادلهمت الظلمات، واشتدت الفتن وأحدقت بنا من كل جانب، فإن اعتصامنا بشرعنا والالتفاف حول علمائنا وولاة أمورنا، هو السبيل الأمثل للخروج من الفتن.
اللهم احفظ علينا ديننا وأرواحنا وأوطاننا.