سلسلة شرح أسماء الله الحسنى اسم الله تعالى البصير ناصر عبد الغفور

المعنى في حق الله تعالى:

– يقول إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى عند تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء: “البصير بما يعملون من الأعمال، لا يخفى عليه شيء من ذلك، ولا يعزب عنه علم شيء منه، بل هو محيط بجميعه علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، ليجزي جميعهم بما هم أهله”.

وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر: “يعني جل ثناؤه بقوله: “والله بصير بما يعملون”: والله ذو إبصار بما يعملون، لا يخفي عليه شيء من أعمالهم، بل هو بجميعها محيط، ولها حافظ ذاكر، حتى يذيقهم بها العقاب جزاءها.”[1].

– قال الحافظ ابن كثر رحمه الله تعالى: “وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” أي: وعلمه وبصره نافذ في جميع خلقه، لا يخفى عليه من أمورهم شيء”[2].

– وقال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات، حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك.

فسبحان من تحيرت العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته، ولطفه، وخبرته بالغيب، والشهادة، والحاضر والغائب، ويرى خيانات الأعين وتقلبات الأجفان وحركات الجنان، قال تعالى: “الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” -الشعراء-، “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ” -غافر-، “وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” -البروج-، أي مطلع ومحيط علمه وبصره وسمعه بجميع الكائنات”[3].

– وقال رحمه الله تعالى في تفسيره الماتع: “البصير” الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت الأرضين السبع، كما يبصر ما فوق السموات السبع، وأيضا سميع بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى الحكمة”[4].

وقال في موضع آخر: “{الْبَصِيرُ} بما كان وما يكون، وما نبصر وما لا نبصر، وما يعلم العباد وما لا يعلمون”[5].

وقال رحمه الله: “{الْبَصِيرُ} بجميع المرئيات، بأي محل وموضع وزمان كانت”[6].

– يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: “البصير: هو الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وإبصاره أيضا منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما ينطبع في حدقة الإنسان، فإن ذلك من التغير والتأثر المقتضي للحدثان وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات([7]) وذلك أوضح وأجلى مما يفهم من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات”[8].

– وقال الخطابي رحمه الله تعالى: “البصير: هو المبصر، ويقال: البصير: العالم بخفيات الأمور”[9].

– وفي معنى “البصير” يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:

وهو البصير يرى دبيب النملة السـ … ـوداء تحت الصخر والصوان
ويرى مجاري القوت في أعضائها … ويرى نياط عروقها بعيـــــــان
ويرى خيانات العيون بلحظهـــــــا … ويرى كذاك تقلب الأجفـــــــان

وفي شرح هذه الأبيات يقول العلامة محمد خليل الهراس رحمه الله تعالى: “ومعنى البصير: المدرك لجميع المرئيات من الأشخاص والألوان مهما لطفت أو بعدت، فلا يؤثر على رؤيته بعد المسافات والأقطار، ولا تحول دونها الحواجز والأستار، فهو يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، بل ويرى مسالك الغذاء من أمعائها وأربطة مفاصلها وعروقها بعينه التي لا تنام، ويرى خيانات الأعين، وهي اختلاس النظر إلى محاسن النساء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هو الرجل يدخل على أهل البيت وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، وإذا فطنوا غض”، وقال الضحاك: “خائنة الأعين: هي الغمز..”.
ويرى سبحانه كذلك تقلب الأجفان أي:حركتها بين الإطباق والتفتيح.”[10].
– وفي كتابه القيم “طريق الهجرتين”[11] يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله تعالى: “البصير: الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضاءها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء”[12].
–  يقول العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى: “..ويرى كل شيء لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء… إن فعلت فعلا ظاهرا رآك وإن فعلت فعلا باطنا ولوفي جوف بيت مظلم رآك وإن تحركت بجميع بدنك رآك وإن حركت عضوا من أعضائك رآك وأبلغ من ذلك أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور”[13].
– ولقد أحسن أبو العلاء بن سليمان المغربي حيث يقول:
يا من يرى مد البعوض جناحها … في ظلمة الليل البهيم الأليــل
ويرى مناط عروقها في لحمها … والمخ في تلك العظام النحل
امنن علي بتوبة تمحوبــــــــها … ما كان مني في الزمان الأول[14]
ورحم الله الشيخ حافظ حكمي إذ يقول في معارجه:
وهو الذي يرى دبيب الــــــــذر …  في الظلمات فوق صم الصخر[15]
– يقول الشيخ النجدي: “وعلى هذا يكون للبصير معنيان:
الأول: أنّ له بصر يرى به سبحانه وتعالى.
الثاني: أنه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها”([16]).
————————————–
– جامع البيان في تأويل آي القرآن:2/377.[1]
-تفسير القرآن العظيم:2/147.[2]
– الحق الواضح المبين:35-36. نقلا من شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة:188.[3]
– تيسير الرحمن:946.[4]
– تيسير الرحمن:735.[5]
-تيسير الرحمن:740.[6]
-[7] من أصول الإيمان بصفات الله عدم التكييف أوالبحث عن كيفية وكنه صفاته سبحانه، كما قال تعالى:”ليس كمثله شيء” وقال تعالى:” فلا تضربوا لله الأمثال” ، فنحن نؤمن بصفة البصر وبصفة العين لكن ليس لنا أن نبحث أوأن نسأل عن كيفية إبصاره سبحانه، فالسؤال ب”كيف” في باب الصفات كالسؤال ب”لما” في باب القدر، كلا السؤالين منهي عنه محرم.
– المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى:91-92.[8]
– شأن الدعاء، نقلا من النهج الأسنى:164. [9]
– شرح القصيدة النونية المسماة الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية:1/457.[10]
[11]– والحق أن جميع كتبه رحمه الله قيمة ماتعة نافعة، فكلها عظة وتذكرة تأخذ بالألباب وتقرب من رب الأرباب، وما ذلك إلا لكونها مستقاة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فجزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى به عالما عن أمته.
– طريق الهجرتين وباب السعادتين:212-دارابن القيم-.[12]
– تفسير أسماء الله الحسنى.[13]
– التذكرة للإمام القرطبي: 188.[14]
– مختصر معارج القبول:95[15]
[16]   –النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى:165.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *