الأصل في البشرية هو التوحيد والهداية والاتباع، والانحراف عن ذلك أمر طارئ وليس أصيلا في فطرة البشر وطبيعتهم، فقد كان آدم أبو البشر عليه السلام نبيا مؤمنا موحدا وكذلك أبناؤه، ثم حدث الشرك في قوم نوح بعد عشرة قرون، كما قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) البقرة/213.
قال ابن عباس في تفسيرها: “كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.”
وقال ابن كثير رحمه الله بعد نقله عن ابن عباس وتصحيحه: “لأن الناس كانوا على ملة آدم عليه السلام، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض انتهى من تفسير ابن كثير 1/569.
وروى مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: (أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا).
وأكثر من أشرك وعبد الآلهة مع الله إنما عبدها على اعتقاد أنها تقرب وتشفع عند الله تعالى، لا على أنها شاركته في الخلق أو الرزق، كما قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) يونس/18، 19.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) الزمر:3.
ومنهم من عبد الآلهة على أنها صور للصالحين أو الملائكة، أو أن الله يحل فيها كما ذكرت، ولم يثبت عن أحد من القدماء إثبات ربين متساويين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إثبات ربين للعالم لم يذهب إليه أحد من بني آدم، ولا أثبت أحدٌ إلهين متماثلين ولا متساويين في الصفات ولا في الأفعال، ولا أثبت أحد قديمين متماثلين ولا واجبي الوجود متماثلين، ولكن الإشراك الذي وقع في العالم إنما وقع بجعل بعض المخلوقات مخلوقة لغير الله في الإلهية، بعبادة غير الله تعالى واتخاذ الوسائط ودعائها والتقرب إليها، كما فعل عباد الشمس والقمر والكواكب والأوثان وعباد الأنبياء والملائكة أو تماثيلهم ونحو ذلك، فأما إثبات خالقين للعالم متماثلين فلم يذهب إليه أحد من الآدميين، وقد قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) لقمان/ 25، وقال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون) المؤمنون/84 – 89 وقال: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) يوسف/106 ” انتهى من درء تعارض العقل والنقل (5/156).
والحاصل أن الأصل في الناس هو التوحيد والإسلام، والشرك أمر طارئ، وليس هناك أديان توحيدية، وإنما هو دين واحد ارتضاه الله عز وجل وهو الإسلام، وهو دين جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم.