نيل المنى

 

وكثرة الثواب في العادات    والارتفاء في العباديــات

وللمقامات بذاك يعلـي    كالصبر والتفويض والتوكل

«فصل»

ومما ينبني على ذلك ـ أيضا ـ كثرة الثواب ووفرته في العمل في «العادات» وكذلك «الإرتقاء» والصعود في عمل وكسب الأمور «العباديات»،  وإنما كان الأمر في هذا الشأن كذلك، لأن من ترك الالتفات إلى المسببات مسقط للحظوظ النفسية،  بخلاف من كان ملتفتا إلى المسببات فإنه عامل على الالتفات لا إلى الحظوظ،  لأن نتائج الأعمال راجعة إلى العباد مع أنها خلق الله، فإنها مصالح أو مفاسد تعود عليهم، لما في حديث أبي ذر الذي رواه مسلم وأحمد والنسائي وهو: «إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها»، -وأصله من القرآن {من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد}- فالملتفت إليها عامل بحظه، ومن رجع إلى مجرد الأمر والنهي فهو عامل على إسقاط الحظوظ وهو «للمقامات» منازل ودرجات الصالحين والأبرار «ب» سبب «ذاك» الذي عليه من عدم الالتفات إلى المسببات والانكفاف عن العمل للحظوظ «يعتلي»أي يرتقي ويرتفع، والمراد بتلك المقامات ما  يكون «كالصبر» على قدر الله وقضائه «والتفويض» أي تفويض الأمور له ـ سبحانه ـ «والتوكل» عليه ـ عز وجل ـ في الأمور كلها.

المسألة العاشرة

كون المسببات قد ترتـــبت     شرعا على الاسباب حكم قد ثبت

وتنبني لجهة   المكلـــف    عليه أشياء بلا تخــــلف

منها إذا يكون ذا المســبب   بمقتضى الشرع إليه نســب

فهو  لذاك مع تعاطي السبب    ملتفت لجهة المســــبب

في الفوائد المطلوبة والمحمودة في الالتفات إلى المسببات.

قال الناظم: «كون المسببات قد ترتبت» يعني تترتب «شرعا» يعني في حكم الشرع وبمقتضى قصده «على الأسباب» كما تقدم ذكره ـ هو «حكم قد ثبت» واستقر، ولكونه كذلك فإنه قد «تنبني لجهة» مصلحة «المكلف عليه أشياء» ثابتة «بلا تخلف» يحصل فيها؛ «منها» أي من هذه الأشياء إنه «إذا يكون» يعني إذا كان ذا أي الأمر المسبب بمقتضى وحكم «الشرع إليه» أي إلى الشخص المسبب في كسبه وحصوله «ينسب» ويسند «ف» أنه يطلب منه هو أن يكون «لذاك» أي لأجل ذاك النسب والإسناد، «مع تعاطى» أي تعاطيه وتناوله «السبب» أن يتعاطاه وهو «ملفت لجهة» الأمر «المسبّب» أن يقع منه ليس ما ليس في حسابه،  فإنه كما يكون التسبب مأمورا به كذلك يكون منهيا عنه.

وربما أبدى له التسبــب    من أمره ما لم يكن يحتسب

من جهة الخير أو الشر معا    وكم دليل عاضد ما فرعـا

(وربما) بالتفاته إلى المسبب أبدي أظهر «له التسبب من أمره» وحاله وشأنه وحكم الشارع عليه «مالم يكن يحتسب» أي حصوله منه، «من جهة الخير» وذلك لأن التسبب في الخير قد يكون منتجا ما لم ليس في ظنه من الخير، لقوله تعالى: ﴿ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام «من سن سنة حسنة» كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ـ وقوله: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أنها بلغت ما بلغت» «أو» من «الشر معا» أي أو من جهة الشر، لأن التسبب في المعصية ـ كذلك ـ قد يكون منتجا ما لم يحتسب من الشر لقوله تعالى: ﴿فكأنما قتل الناس جميعا﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام «ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدام الأول كفل منها» ـ وقوله: «من سن سنة سيئة  فعليه وزرها» إلى أشباه ذلك «وكم» من «دليل» شرعي «عاضد» مؤيد «ما» تقدم ذكره من فائدة الالتفات و«قد فرعا» عن هذا الأصل الذي هو ثبوت الشيء المسبب ينسب إلى من تسبب في كسبه.

ولا يخفى ما في كلامه هذا من التعقيد، وخلاصته أن أدلة كثيرة قد قامت على صحة اعتبار المسبب من أجل معرفته على الوجه المذكور، وهذا متفرع عن أن التسبب ينسب إلى المسبب فيه.

وان منها  عند   الالتفـــات   مع سبب الى المسبــبات

زوال ما يعرض من  إشكــال   في بعض ما يكون ذا احتمال

إن عارضت أحكام أسباب بدت   في الحكم أسبابا له تقدمـت

في ذكر الفائدة  الثانية من الالتفات إلى المسببات، وهي ارتفاع اشكالات ترد في الشريعة بسبب تعارض أحكام أسباب تقدمت مع احكام اسباب أخرى حاضرة.

وفي ذلك يقول الناظم: «وأن منها» أي من الفوائد التي تحصل «عند الالتفات مع» تعاطي وتناول سبب والسعي إلى كسبه «إلى المسببات» متعلق بقوله «الالتفات» ارتفاع و«زوال ما يعرض من أشكال» ويعن،  وذلك «في بعض ما» من المواطن والموانع التي «يكون» جريان أحكام متعارضة فيه أمرا «ذا احتمال» ومن ذلك «أن عارضت أحكام أسباب» أتي بها المكلف في موضع وقد «بدت» وظهرت، فهي حاضرة، فعلت آخرا، «في الحكم» متعلق بقوله: «عارضت» المطلوب إثباته «أسبابا» يعني مقتضى وحكم أسباب حصلت «له» أي لذلك المكلف، وهي قد «تقدمت» في الزمان على الأسباب الأخرى التي يعارض حكمها حكم هذه الأسباب المتقدمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *