ما وقع بتونس ليس انقلابا!!

 

قبل أكثر من سنة استفز”ناشط” الرأي العام الوطني بدعوته المغاربة للإفطار في رمضان بسبب فيروس كورونا،لأنه -وفق قوله- “إذا نشف حلق المواطن فهذا يشكل عليه خطرا، لأن الفيروس يذهب إلى الجهاز التنفسي بدل الهضمي، ولذلك يجب أن يبقى الحلق مبللا وشرب المواد السائلة السخونة كل ساعة وكل نصف ساعة”.. ودعا هذا “الناشط” بالموازاة مع ذلك إلى عدم الاستماع لما أسماه “الخطاب الشعوذي للفقهاء الذي يعارض العلم”.

وبعد ذلك بأيام قليلة فقط نفت منظمة الصحة العالمية وجود أي علاقة مثبتة علميا بين الصوم وزيادة مخاطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد، كما كشف البروفسور السويدي بمعهد كارولينسكا المختص في الأمراض المعدية وعلم الأوبئة، يوهان غيساكي Johan Giesecke أن عكس ما ادعاه “الناشط” هو الصحيح؛ لأن الرطوبة هي التي توفّر البيئة المناسبة لاحتضان الأغشية المخاطية لفيروس كورونا، وأن خطر انتقال العدوى ينخفض عند الصوم.

أذكر بهذه الواقعة، التي مر عليها أكثر من سنة، لأنها تحيلنا على منهج استئصالي، وتطاول بعض المؤدلجين على تخصصات لا قبل لهم بها، وذلك حين يسارعون في كل محطة يثار فيهاالدين  وشعائره، أو المتدينون،أو ما يسمى بالإسلاميين للإدلاء بتصريحات عدائية، ظانين أنهم يسجلون عبرها نقاطا ضد خصومهم التقليديين.

فنفس الشخص، وهو الناشط “عصيد”، خرج اليوم بعد أحداث تونس ليعلن أن ما وقع ببلد القيروان”ليسا انقلابا كما يروج الإخوان بل هو عملية تصحيح جذرية صارت ضرورية بسبب البلوكاج السياسي الذي أصبح يهدد كيان الدولة”.

فهل صحيح أن الإخوان المسلمون هم من يروج أن أحداث تونس تعدُّ انقلابا؟ وهل يهدد حزب النهضة كيان الدولة؟

للجواب عن هذا السؤال لن أطيل في الكلام والتحليل وما شابه، وسأستدعي فقط آراء بعض العلمانيين التونسيين والغربيين، الذي هم أقرب للناشط المذكور منهم لإسلاميي تونس أو غيرهم في باقي دول العالم.

حيث أعلن واحد من أبرز أستاذة القانون الدستوري في تونس، وهو عياض بن عاشور، أن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، بتفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي “انقلاب بأتم معنى الكلمة”.

وأكد بن عاشور (علماني التوجه) في تصريحات صحفية، أن رئيس الجمهورية كان يخطط لهذا الانقلاب منذ أن رفض التحوير الوزاري وختم القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية.

وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، الذي قال إن الهيئة تتابع “بصدمة” القرارات التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد، معتبراً أن هذه القرارات غير متطابقة مع أحكام الدستور.

أما الكاتب البريطاني ديفيدهيرست فلم يخف أن ما فعله قيس سعيّد لا يختلف عن انقلابي مصر وتركيا.

جميعنا يعلم أن بعض المنتمين للتيارات العلمانية يتهمون الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بأنها تستغل الديمقراطية للانقضاض على السلطة وتجعل منها مطية للوصول لأهداف دينية، وها نحن نرى اليوم على أرض الواقع لا في مجالات التنظير والمؤامرة وكيل التهم، من ينقلب على الديمقراطية والصندوق، ليبرر الانقلاب تحت أي مسمى كان.

وياليتهم وقفوا عند هذا الحد، فقد تجاوزوه إلى ما هو أشنع وأفظع؛ وذلك حين عمدوا إلى تبرير القتل والإبادة والتصفية الجسدية بأنها إرادة شعبية، ودبجوا دفاعا عن هذا الطرح المقالات وأعدوا التقارير والحوارات واللقاءات، وبل ألفوا الأغاني وصفقوا “تسلم الأيادي”..

وصدق علي حرب حين وصف رفاقه اللادينيين بأنهم تحولوا إلى مجرد “باعة أوهام”، وكتب “فكم من مطالب بالحرية يتعاطى مع هذا الشعار بصورة إمبريالية، وكم من ساع إلى تحقيق العقلانية يجعلنا نترحم على السلفية”. (أوهام النخبة 98-99، الممنوع والممتنع 181).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *