إن الغرب لا يحاربنا عسكريا بغزونا؛ أو اقتصاديا بفرض هيمنته علينا ومنعنا من النهوض، أو ثقافيا باختراقنا فقط، بل حتى بتزييف تاريخنا المجيد، وتغيير أي تاريخ لصالحه، ومحو تاريخه الدموي، وطمس أي تاريخ لا يصب في مصلحته.
ومن أمثلة ذلك التزييف: أن أصول الطب الحديث الذي يرجعه الغرب إلى اليونان، وأبقراط بصفة خاصة، فكرة لا أساس لها من الصحة.
فقد “أعلن علماء بريطانيون أن دراستهم لوثائق تعود إلى 3500 عام مضت، تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن أصول الطب الحديث تعود إلى مصر القديمة، ولا تعود إلى أبقراط ولا إلى اليونانيين”.
“واكتشف باحثون -بحسب بيان للمجلس الأعلى المصري للآثار- في مركز “كي إن إتش” المتخصص في الدراسات البيولوجية الطبية ضمن علم المصريات بجامعة مانشستر، هذا الدليل لدى دراستهم مدونات طبية على ورق البردي يعود تاريخها إلى 1500 قبل الميلاد، أي إلى ألف سنة قبل ميلاد أبقراط”.
والرياضيات أيضا لم يحز قدم السبق فيها اليونان كما هو ديدن الغرب في الترويج لثقافته، بل كان الكتبة البابليون منذ أكثر من 3000 عاما يمارسون كتابة الأعداد وحساب الفوائد ولاسيما في الأعمال التجارية ببابل.. وكانوا يعرفون الجمع والضرب والطرح والقسمة. فيما طور قدماء المصريين النظام العشري في مسح الأراضي بعد كل فيضان لتقدير الضرائب، كما كانوا يتبعون هذا النظام وهو العد بالآحاد والعشرات والمئات. لكنهم لم يعرفوا الصفر. لهذا كانوا يكتبون 600 بوضع 6 رموز؛ يعبر كل رمز على 100.
ومر الصفر بعدة مراحل، توجها العالم الرياضي المسلم الخوارزمي[780-850م]، وبذلك يكون هو من ابتكر الصّفر فعليا، وجعله عددا مهما في العمليات الحسابية.
يقول الخوارزمي نفسه: “في عمليات الطّرح، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا لئلا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات. ثمّ إنّ الصّفر يجب أن يكون من يمين العدد، لأنّ الصّفر من يسار الاثنين، مثلا -02- لا يغيّر من قيمتها، ولا يجعلها عشرين”.
ولا يخفى ما للصفر في الرياضيات والعلوم الحديثة على وجه الخصوص من أهمية جلى.
وعن العرب انتقل الصفر إلى أوربا، عن طريق إيطاليا حيث أخذ ليوناردو دو بيز [1170-1250]م.عن العرب طريقتهم في كتابة الأرقام من اليمين إلى اليسار، ثم انتقل إلى فرنسا وألمانيا وإنكلترا والبرتغال وإسبانيا، وهكذا تخلصت أوروبا من نظام الأعداد الروماني -بعد الله- بفضل الرياضيين المسلمين، إذ أصبحت قيمة العدد الواحد تتغير في هذا النظام وفق مكانه في الآحاد أو العشرات أو المئات. وهو ما كان له بالغ الأثر في اختصار العمليات الحسابية فيما بعد؛ وفي اختراع الحاسوب.
وأكبر مزور للتاريخ والجغرافيا في عصرنا الحاضر هو طفل الغرب المدلل -الكيان الصهيوني-، فمثلا: ليس هناك أدنى دليل على المكان الذي بني فيه الهيكل الذي هُدم، وأعيد بناؤه وهدمُه عدة مرات. كان آخرها على يد الرومان عام 70م، حيث تم تدمير القدس بأكملها. ومع ذلك مازال الكيان الإرهابي يعاند حقائق التاريخ ليثبت وجوده على أرض ليست له.
بل لقد أكد علماء آثار يهود بأنه لا يوجد أثر يهودي واحد في القدس، برغم السنوات التي قضتها السلطات الصهيونية في البحث عن آثار يهودية في المدينة المحتلة، من خلال عمليات الحفر في جنبات المدينة لإثبات يهوديتها.
ونقلت مجلة “تايم” الأمريكية في عددها الصادر يوم الاثنين 01/02/2010 عن رافاييل جرينبرج المحاضر في جامعة تل أبيب قوله: “علمياً، من المفترض أن تجد شيئاً إذا ما استمرت الحفرياتُ لمدة ستة أسابيع، إلا أنهم في “مدينة داوود” حي سلوان بالقدس، يقومون بالحفر بدون توقف لمدة عامين دون أن يحصلوا على نتائج مرضية.”
ونصل الآن إلى موقع ويكيليكس وما نشره من وثائق، وكيف كان رد الغرب “الديمقراطي والصادق والنزيه والساهر على حقوق الإنسان”.
لقد أدانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون نشر الوثائق، وكذلك فعل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية “بي. جيه كراولي”. أما في برلين فحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “أندرس راسموسن” من تبعات الكشف عن ألوف الوثائق السرية الأميركية المتعلقة بالحرب على العراق.
وأشار موقع ويكيليكس إلى أن وزارة الدفاع الأميركية هددت بتطبيق قانون التجسس واتخاذ إجراءات قانونية ضد وسائل الإعلام العالمية في حال تسرعها في نشر الوثائق السرية حول الحرب في العراق.
لماذا كل هذا النفير، ونحن نسمع منذ نعومة أظفارنا عن تقديس حرية تداول المعلومات ونشرها؟ إنهم يريدون تزوير ما وقع في العراق، فينسبون كل حسنة إليهم، وكل كبيرة إلى أعدائهم.
وفي نفس السياق، يحق لنا أن نتساءل: لماذا الحفريات في منطقتنا العربية على قدم وساق، ولا يذكر عن حفريات الولايات المتحدة شيء!
ألأنهم جاثمون على تاريخ اغتصبوه من أصحاب الأرض الأصليين؟
أم أنهم يخافون أن تكشف إبادتهم الجماعية للهنود الحمر؟
ومن كان عنده أدنى شك فليسأل سجلات الرئيس الأمريكي الأسبق -جيرالد فورد- حينما طلب بناء مسبح له في حديقة البيت الأبيض للترويح عنه. أتدرون ماذا وجدوا؟ إنهم “فوجئوا” بوجود جماجم وعظام بشرية، أكد علماء الآثار بعد دراستها بأنها تعود لشعب (الكونوي) وهو من شعوب الهنود الحمر.
إنهم زوروا حتى أصل الإنسان واعتبروه قردا، ثم بعد ذلك ادعوا أن قرد الشامبانزي الإفريقي هو أصل الإيدز، على الرغم من أن عالِم الفيروسات الفرنسي “جال ليبوفيتش” (في كتابه الفيروسات الطائرة) يؤكد أن فيروس الإيدز تسرب أثناء التجارب الخاصة بإنتاج سلاح جرثومي جديد، ويشاركه هذا الرأي الاختصاصي الإنجليزي “جون سيل” الذي يؤكد بدوره أنه نقل عمدا إلى دول أفريقيا السوداء للحد من تناسل الفقراء فيها!
إن الغرب يعيش.. ويستمر في العيش وصدارة العالم بالكذب وتزييف التاريخ وتفتيت الجغرافيا لصالحه.