المدرسة المغربية: الواقع المنكود والأمل المنشود علي أيت باعلي

ثمة جدال محتدم في الآونة الأخيرة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي حول مخرجات مدارسنا التي مافتئت الدولة تنفق عليها بسخاء وتسخر من أجلها إمكانات بشرية ومادية هائلة، دون أن تحقق آمال وطموحات هذا الشعب ذي الماضي التليد المشرق والحاضر القاتم المغرق.
فرغم الرزنامة من الإصلاحات المتتالية لم يفلح الأوصياء على الشأن التربوي من إيجاد وصفة تنتشل المدرسة من أوحال التردي وبراثن التخلف، فضلا من أن ترفع التحديات التي تجابه المجتمع برمته في العصر الحالي الموسوم بالعولمة المتوحشة، والمنافسة الشرسة، واقتصاد المعرفة والمعلوميات.
إذا كانت المدرسة في كل دول العالم هي بمثابة المشتل الحقيقي لاستنبات القيم الحضارية وترسيخ الهوية الأخلاقية وغرسها في صفوف الأفراد والجماعات، فإن الأمر في بلدنا في منأى عن هذا المسعى النبيل وهذا واقع ماله من دافع، والذي يحز في النفس ويدمي القلب جهل أو تجاهل -من أُوكل إليه تدبير الشأن التربوي- بمداخل الإصلاح الحقيقي البادية لكل ذي عين وبصيرة والنابعة من أصولنا الدينية وثوابتنا الأخلاقية التي ظلت لقرون عديدة محط استلهام الآخر، فبئس الحال وبئس المآل.
إن حال المدرسة المغربية المتأزم بعد مضي ردح من الزمن على إصلاحات تترى بشعارات براقة جوفاء، ينم عن إفلاس المنظومة الفكرية التي تمتاح منها، بالرغم من أنها تضاهي مثيلتها في الغرب، فبالمثال يتضح المقام، إذا نظرنا إلى مناهجنا الدراسية نجدها قد بنيت على ثلاثة مداخل أساسية: التربية على القيم، وأية قيم؟ فسيفساء غير متجانس وخليط هجين بين قيم متباينة؛ قيم إسلامية لتأثيث المشهد ليس إلا، وأخرى يدعون أنها كونية أو إنسانية وحضورها وازن بشكل يجعل الغيور باخعا نفسه على آثارها. أما مدخل التربية على الاختيار فتلك إحدى الكبر نذيرا للبشر، قد نسلم بها في الأشياء التي يسوغ فيها التعدد، أما أن تكون مطية لدعاة الحرية الفردية باسم الاختيار ومدعاة للتحرر من الأوامر والنواهي الربانية لجاهلية جهلاء أريد بها أن تعود وتسود بعد أن خلصنا الإسلام من بأسها وبؤسها. والمدخل الثالث مرتبط بالكفايات، لما كان سعي المناهج الدراسية تكوين مواطنين أكفاء معرفيا ومهاريا، فحري بها أن تسعى أيضا لأن يكونوا كذلك اعتقادا وعملا وسلوكا بحكم أن ذلك سر وجودنا على ظهر هذه البسيطة.
فكثيرا ما يتردد على مسامعنا وقوع مصائب وحوادث داخل سرادق المدرسة أو محيطها، كان أبطالها تلاميذ أو أساتذة، ما هو إلا نتاج حتمي للنهج المتبع في التربية والتعليم، فاختلاط الذكور بالإناث في حجرة واحدة وكذا الجلوس في طاولة واحدة جنبا إلى جنب من أكبر الأسباب التي تفسد أخلاق فلذات الأكباد وثمرات الفؤاد، ولقد رأيت رأي العين ما يعف اللسان عن ذكره من أطفال صغار، أكيد ذلك ليس ذنبهم، لكنه على عاتق من أتاح لهم الفرصة لتعشعش هكذا سلوكات أولا في فضاءات المدرسة، وثانيا لتنتشر في الأرجاء كالنار في الهشيم تذروه الرياح.
وإذا كان الأمر كذلك في الصغار، فماذا عسانا أن نقول في اليافعين والكبار؟ فلا سبيل إذن إلا بفصل الذكور عن الإناث في المدارس والمعاهد والكليات.. وأقول لمن يستهويه الغرب: بدأ فصل الذكور عن الإناث في بعض المدارس في أمريكا بلد الحرية -زعموا-، بل تخصص اعتمادات مادية إضافية للمدارس التي بادرت إلى العملية تشجيعا لها، أيضا في فرنسا بلد المساواة، كما نحت دول أخرى هذا الفصل لكن في وسائل النقل (الحافلات بتخصيص الباب الأمامي للرجال والخلفي للنساء، مترو الأنفاق..) كالكيان الصهيوني والمكسيك واليابان درء للتحرشات الجنسية التي لم تردعها القوانين الوضعية الصارمة.
وأمام تقديم الآباء لاستقالتهم التربوية باعتقادهم أن دورهم ينحصر في توفير المأكل والمشرب والملبس لا غير، وتنازل المدرسة عن وظيفتها في التربية باكتفائها بأدلجة مرتاديها بما هو متضمن في البرامج والمناهج الدراسية بغثها وسمينها، وانحسار مهام المساجد الخاوية على عروشها من الأطفال والشباب إلا من رحم ربي، مما أحسهم باليتم التربوي، فلا غرو أن تراهم في كل واد يهيمون ومع كل ناعق يصيحون ولكل داع يستجيبون، دون منقذ رصين أو ناصح أمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *