قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}12.
كلمة «إِمَامٍ مُبِينٍ» تفهم على غير وجهها، فما المقصود بالإمام في هذه الآية؟
قال القرطبي: والإمام: الكتاب المقتدى به الذي هو حجة. وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: أراد اللوح المحفوظ. وقالت فرقة: أراد صحائف الأعمال.
قال الطبري: وقوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) يقول تعالى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين، وقيل (مُبِينٌ) لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه.
قال قتادة: كل شيء محصًى عند الله في كتاب. وقال ابن زيد: أم الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين.
وهذا نظير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} الإسراء:71.
قال ابن زيد: بكتابهم الذي أنزل على نبيهم، من التشريع. واختاره ابن جرير، وروي عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: بكتبهم. فيحتمل أن يكون أراد هذا، وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي: بكتاب أعمالهم، وكذا قال أبو العالية، والحسن، والضحاك.
وهذا القول هو الأرجح، لقوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}يس:12. وقال تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} الكهف:49.
وقال تعالى{وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} الجاثية: 28- 29.
قوله تعالى: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}20.
كلمة «يسعى» ليست من المسألة والسؤال وطلب المال، بل تعني: السير مسرعا.
قال البغوي: (يسعى) أي: يسرع في مشيه.
قال الطبري: (يسعى): يعجل.
قال الكلبي: يسرع في مشيه لينذره.
قال ابن عطية: ويَسْعى معناه يسرع في مشيه قاله الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
نظير ذلك قوله تعالى في سورة طه {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}20.
{تسعى} تمشي بسرعة على بطنها.
قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ}28.
كلمة «جند» تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنه لم ينزل الله بعد ذلك إليهم رسالة، ولا بعث إليهم نبيًّا.
وعن مجاهد، قوله (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ) قال: رسالة، وقيل غير ذلك.
قال الماوردي: قوله عز وجل: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء} فيه قولان: أحدهما: معنى جند من السماء أي رسالة، قاله مجاهد، لأن الله تعالى قطع عنهم الرسل حين قتلوا رسله. الثاني: أن الجند الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء، قاله الحسن.
قال ابن مسعود: أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود الله تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك، قال قتادة: والله ما عاتب الله تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم. وقيل المقصود بالجند الملائكة.
قوله تعالى: {إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ}44.
كلمة «ومتاعا» لا تعني المتاع المعروف بل تخرج إلى معنى التمتيع.
قال البيضاوي: (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً) إلا لرحمة ولتمتيع بالحياة، إِلى حِينٍ زمان قدر لآجالهم.
قال الطبري: وقوله (ومتاعا إلى حين) يقول: ولنمتعهم إلى أجل هم بالغوه، فكأنه قال: ولا هم ينقذون، إلا أن نرحمهم فنمتعهم إلى أجل.
قال السعدي: {إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} حيث لم نغرقهم، لطفا بهم، وتمتيعا لهم إلى حين، لعلهم يرجعون، أو يستدركون ما فرط منهم.