التربية الإسلامية في ظل المتغيرات الجديدة 3/3 ذ. عبد العزيز وصفي

بحسب الكثير من الباحثين المنصفين والدراسات العلمية الموثوقة، تبين أن مناهج التربية الإسلامية لم يكن لها في يوم من الأيام أبدا مس بحق من حقوق الإنسان بل على العكس كانت ولا تزال كل نصوص انطلاقها ناضحة بالاعتناء بهذه الحقوق وحريصة على تبليغها للناشئة المتعلمة بالكلمة الحرة والإقناع والسهولة، ومما هو معلوم للدارسين والباحثين في المناهج والتربية أن كل مقرر أو مادة لا يمكن أن يتم تدريسه إلا بموافقة من الهيئات الرسمية ولجنة القيم ووضع البرامج، وهي آخر محطة فاحصة تنظر في هذا الأمر.
والظاهر في الواقع حقيقة أن هناك عوامل كثيرة متشابكة تدفع الشباب نحو التشدد في الدين أو الفكر التكفيري، ومن بينها السياسات الحكومية، سواء الغربية أو العربية، التي مارست وتمارس الإقصاء والتهميش والحرمان الممنهج لفئة الشباب والناشئة، الشيء الذي يدفعبهم إلى الانعزال والانطواء والانتحارفي أحيان كثيرة.
وهو ما أنتج الفراغ والفكر المنغلق والمتقبل للتطرف والانحراف، كما أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة جعلت فئات عريضة يستغنون عما تعلموه في مجتمعاتهم وما تربوا عليه من اعتدال ليغوصوا في أفكار ومناهج تتدفق عبر الانترنت دون توجيه رقيب أو ضبط حسيب.
ولا يشك عاقل في وجود علاقة وثيقة بين التعليم وتكوين الوعي والعقل والفكر الجماعي للشعوب، لكنَّ هنالك أسبابا أخرى قد تهدم ما تبنيه المدرسة ومناهجها التعليمية، وفي مقدمتها انتهاك حقوق المواطنين، وتهميش الشباب واضطهادهم والتضييق على الحريات الأساسية المشروعة.
وبالتالي فإن إصلاح الوعي وتطهيره من الأفكار الهدامة لا يتوقف على تعديلات في منظومة التربية والتدريس، بل قد يحتاج الأمر إلى إصلاح شامل يطال منظومة السياسة العامة لكل بلد برمتها، والجميع مطالب بالتعاون في البناء على كافة الأصعدة والمجالات حتى يتحقق الازدهار والتقدم، وهذا هو التغيير الإيجابي الشامل الذي ينتج مواطنين صلحاء وأكفاء شيمتهم حب الوطن والدفاع عنه والعمل الدؤوب لصالحه ومصالحه.
ووفق هذه النظرة الشمولية يرى أحد الباحثين أن دور المجتمع المدني ومؤسساته في النهوض بالمسؤولية التربوية للشباب ووقايته وإبعاده عن مخاطر الغلو والتطرف الفكري والعملي، فيقول: “ونعتقد أن جهود الوقاية يجب أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المختلفة؛ ومنها المؤسسات التربوية التي يجب أن تؤدي عملا مهما وبارزا في رفض الإرادة الإجرامية لدى الشباب في ممارسة سلوك العنف والتطرف، حيث إن رفض السلوك الإجرامي يجب أن ينطلق من محور الوقاية…” ( ).
إن تربيتنا الإسلامية اليوم تقف في مواجهة تحديات كبرى لن يضيرها نعيق الناعقين، ولا مكر المنافقين ولا عقوق السفلة المبهورين بحضارة الغرب وغثائها، المتحلقين حول فتاتها وعلى أعتاب حياضها، الغارقين في وحلها ووعثائها. تالله ما حال هؤلاء الشانئين الناعقين الحاقدين وحالها إلاّ كما قال الشاعر قديما:
كناطح صخرة يوما ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أو كما قال الآخر:
ما ضر شمس الضحى بالأفق ساطعة *** ألاّ يرى ضوئها الأعمى من الرمد
بل يشدوا لسان حالها مع أبو الطيب المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي أني كامل
عجبا لهؤلاء القوم المتسكعين على موائد الغرب اللاّهثين خلف سرابهم الذابل، المتشبعين من ثقافتهم حدّ الثمالة حتى باتوا لا يميزون بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، والغث والسمين والصالح والطالح، فأصبحوا كل يوم يخرجون علينا بفاجعة نكراء يندى لها الجبين وتخرّ لها الجبال هدا!! ولقد صدق من قال: إن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة…
والنتيجة المستخلصة مما سبق بيانه: أن الأمة الإسلامية باتت تجتاز محنة ما بعدها محنة، رغم ما تملك من ثروة مادية وثروة بشرية ومساحة أرضية خصبة، ومياه متدفقة ومعادن نفيسة.
وإن سبب تلك المحنة: أننا فرّطنا في توجيه وتربية هذا الجيل تربية إسلامية في مدارسنا الابتدائية والثانوية والجامعية، كما فرّطنا في تربية الأطفال الذين لم تتح لهم فرصة الدخول إلى المدرسة قط بواسطة النوادي والجمعيات ووسائل الإعلام والتثقيف العام.
وبناء على ذلك كله، فإننا نحصد اليوم البذور التي زرعناها، ونحترق بالنار التي أوقدناها( ).
والذي نخلص إليه: أن الحرب الفكرية والثقافية اليوم هي الأهم لدى الغرب، وإن كانتْ معارك الأسلحة يُستخدم فيها العساكر بدبابتهم وأسلحتهم، ففي معركة الفكر يُستخدم المفكرون بأقلامهم، والغريب حقًّا أن تجد من أبناء بني جلدتنا وعروبتنا من يُجنِّد نفسه في صف العدو لِيمارس حربًا بالوكالة عن الغرب في تنفيذ مخططاته وإستراتيجياته.
كما أننا نخلص إلى أن الإسلام لا يمنع تمامًا التجديد والابتكار والتطوير والإبداع، ولكنْ هناك فرق بين التجديد والتطوير في الوسائل والأهداف، وبين التغيير في القيم والثوابت والمعتقدات.
إن مثل هذه المؤامرة على فلذات أكبادنا (أجيال المستقبل)، تستدعي الشجاعة من النخب الصادقة، والموضوعية والإنصاف من المعنيين، كما تتطلب تكاثف جهود الجميع، وخصوصا آباء وأولياء التلاميذ من أجل الضغط من خلال العمل الجمعوي والمنابر الإعلامية الغيورة وغيرها لمواجهة هذا الخطر المستفحل.
وقبل الختام يجدر بنا أن نتساءل بتمعن وتمهل مع أصحاب هذا الفكر المخالف:
– هل كل ما يقع اليوم من حروب واقتتال وسفك للدماء وتهجير وتفقير للشعوب وبطالة وحرمان… سببه التربية الإسلامية، أم أن الأزمة أعمق بكثير مما نتصور؟
– هل فعلا أن ما يسمى ب “الإرهاب والتطرف” في العالم هو السبب الأول لتغيير وتشويه تربيتنا الإسلامية من جذورها، أم أن هناك أسبابا أخرى أكبر مما يُتصور في الظاهر تسير بمنهجنا التعليمي نحو التقليد والتبعية، مثل ما يقع في تونس التي يتعلم أبناؤها في منظومة تربوية علمانية لا تعطي للتربية الإسلامية أهمية؟
وأخيرًا أقول: إن هذا الصراع لن يتوقف ولن ينتهي، ولكن له صولات وجولات، وسيظل كلُّ طرف يدافع عن اعتقاده ومنهجه، ولكن شتَّانَ بين من يدافع عن الحق وهو يعلم تمامًا أنه حقٌّ محض، لا ينفك عن كونه واجبا شرعيا، ومطلبا وطنيا، وبين مَن جنَّد نفسه في صف العدو، يحمل رايته وينفذ مخططاته، ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾( ).
والله يقول الحق، وهو يهدي إلى سواء السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *