حفظ بعض القرآن ثم نسيه.. فماذا يفعل؟

لا شك أن مدارسة القرآن وتلاوته وحفظه من أفضل الأعمال الصالحة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن خشية نسيانه؛ وذلك يكون بدوام مراجعة المحفوظ وتكرار التلاوة.
وكذلك فإن نسيان القرآن من الأفعال المذمومة؛ لما فيها من النقص والإعراض عن كتاب الله وهجره
وقد اختلف أهل العلم في حكم نسيان القرآن:
فقيل: نسيان القرآن كبيرة .
وقيل: معصية وذنب، ولا يبلغ مبلغ الكبائر .
وقيل: إنه مصيبة، تصيب العبد في نفسه ودينه، أو ربما كان عقوبة من الله على بعض عمله، وإن لم يكن في نفسه كبيرة، ولا ذنبا، وهذا هو أظهر الأقوال في المسألة؛ والله أعلم.
ولكن، لا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته، ولا أن يفرط في تعاهده، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يوميّاً يساعده على ضبطه، ويحول دون نسيانه؛ رجاء الأجر، والاستفادة من أحكامه .
ونسيان بعض القرآن يكون نتيجة هجره، وبعض الهجر أهون من بعض، كما قال ابن القيم رحمه الله في “الفوائد” (ص 82)، إلا أن نسيانه بسبب الإعراض عنه والانشغال بغيره لا شك أنه مصيبة، وقد يترتب عليها مصائب، مع فوات الأجر .
والذي يُنصح به من حفظ شيئا من القرآن ثم نسيه:
– أن يراجع ما كان حفظ من السور؛ حتى يتقنه مرة ثانية .
-أن يتابع المراجعة بصورة دورية، حتى لا ينساه مرة ثانية.
-أن يتابع الحفظ والمراجعة على يد شيخ متقن.
– أن يراجع ما كان حفظ من المقاطع الكبار كالجزء والحزب ونحوهما، ويجتهد أن يتم حفظ السورة بكمالها، فتكون مراجعة المحفوظ أولا واستعادة حفظه حافزا له على إتمام حفظ السورة.
أما تتبع مراجعة المقاطع الصغيرة التي كان حفظها ثم نسيها، كالآيتين والثلاث ونحو ذلك: فلا ينشغل به، ولا يكلف نفسه عنت تذكر ما كان نسيه منها،
ولينشط في مراجعة حفظ ما نسي من السور والمقاطع الكبار كما تقدم، وليس عليه إثم في عدم استعادة حفظ تلك المقاطع الصغيرة التي ربما نسي بعضها، ولينظر في حال نفسه، فما كان من ذنب استغفر الله وتاب منه، وما كان من تقصير تداركه، وما كان من إعراض عن أمر الآخرة وانشغال بأحوال الدنيا انتصب للآخرة؛ فإنها خير وأبقى .
ثم إن الأجدر به أن يجتهد في استعادة محفوظه من القرآن على الفور، حيث توجد الهمة إذا نشط لذلك، ولا يحصل الفتور بالتراخي والتسويف، وقد روى ابن المبارك في “الزهد” (1/ 469) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالًا، وَإِنَّ لَهَا فَتْرَةً وَإِدْبَارًا، فَخُذُوهَا عِنْدَ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، وَذَرُوهَا عِنْدَ فَتْرَتِهَا وَإِدْبَارِهَا”.
ولا شك أن شعور من تفلت منه القرآن ونسيه بالتقصير، وسؤاله عن كيفية المراجعة، هو من إقبال القلب وصحوه بعد غفلته، ومن كان هذا حاله فالأولى به أن ينشط في المراجعة على الفور ولا يؤخرها .فإن لم يمكنه المراجعة إلا في أوقات فراغه، لكثرة الأشغال والتبعات والسعي على الأبناء ونحو ذلك: فلا حرج عليه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *