أبو حفص: “نضال التنظيمات التقدمية واليسارية إرث وطني يتشرف به كل المغاربة غير قابل للمزايدة ولا للمتاجرة” عبد الله مخلص – هوية بريس

من جديد نشرت يومية آخر ساعة؛ التي أصبح يديرها قبل أشهر فؤاد العماري بدلا عن أخيه إلياس العمري الأمين العام الحالي لحزب “البام”؛ مقالا لمحمد عبد الوهاب رفيقي.
فبعد الجدل الذي خلفه حواره من أربع مقالات مع السوري محمد حبش، المعروف بقناعاته الشاذة، وتقدسيه المفرط للعقل؛ ونفيه لنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة إذا عارضت النتائج التي توصل إليها عقله، خرج مجددا أبو حفص بمقال عنونه بـ”في كل ماي.. لا بد لي من كلمة”، وقد حظي هذا المقال باهتمام كبير من المنبر المثير للجدل “آخر ساعة”، حيث تم اعتماده كمقال رئيس ونشر في الصفحة الأولى من اليومية المذكورة.
أبو حفص الذي تعوَّد -وفق ما ذكره في المقال- كل سنة في مثل هذا التاريخ أن يسجل بوحا واعترافا، ينسجم فيه مع نفسه، ويعبر فيه عن وفائه، لمن كان له يوما ما فضل عليه في أن يكون ما هو عليه اليوم، اختار هذه السنة أن يعترف “للتنظيمات التقدمية والديمقراطية واليسارية التي عاشت وكافحت وناضلت سنوات الرصاص”.
وشدد المعتقل السابق في أحداث 16 ماي أن بَوحَه هذه السنة جاء “متجردا من كل النزعات الإيديولوجية والفكرية، وأنه “لا يمكن لأي منصف متجرد، إلا أن يعترف بدور هذه التنظيمات في تحقيق ما نعيشه اليوم من مكتسبات حقوقية”، إضافة إلى أن “نضالات هؤلاء الشرفاء الممزوجة بدمائهم وأرواحهم، ما كان لنا أن نبلغ هذا المستوى المتقدم والرخاء على مستوى الحقوق”.
وأطلق أبو حفص في مقاله المذكور العنان لخياله وتذكر “ما شهده خلال سنوات الاعتقال، وكيف كان المعتقل السلفي، بكل خلفياته الفكرية والإيديولوجية، يناضل من أجل تحصيل هاتف نقال يمنع عليه حيازته، ليركب رقم المرحومة اليسارية آسية الوديع، متظلما ومشتكيا ومطالبا بالتدخل، ليفاجأ بها وقد وقفت على أبواب زنزانته بعد منتصف الليل أو قريبا من الفجر”.
وإذا كان اتصال السلفيين ببعض الإسلاميين السياسيين أمرا طبيعيا ومنطقيا، فالذي لم يكن مألوفا -بالنسبة لأبي حفص- هو “تجاوب منظمات توصف من قبل هؤلاء المعتقلين بالإلحادية والعلمانية والمشيعة للفاحشة مع هذه الملفات، وتسخيرها لمقراتها لأسرهم وعوائلهم والجمعيات المدافعة عنهم، رغم كل الاختلاف والافتراق”.
هذا واعتبر أبو حفص أن النضال الذي خاضته هذه التنظيمات “إرث وطني يتشرف به كل المغاربة، غير قابل للمزايدة ولا للمتاجرة، شأنه شأن تاريخ الحركة الوطنية، ومسار الأحزاب العريقة التي هي ملك لكل المغاربة وليس لمناضليها”.
يشار أن أبا حفص محمد عبد الوهاب رفيقي شارك مؤخرا مع جمعيات حقوقية تنتمي إلى التوجه الذي بات يدافع عنه، ومن بينها “بيت الحكمة”، الذراع الحقوقي لـ”البام”؛ فبعد طعنه الصريح في تاريخ الأمة بمجازفة وجرأة، وادعائه أن “تنظيم داعش هو دولة شرعية حسب المنظومة الفقهية التي يستند إليها أهل السنة والجماعة”، ها هو اليوم يعتبر من يستميتون في محاربة ما تبقى من الشريعة في بعض القوانين ومناحي الحياة “شرفاء”، ومطالبهم “إرثا وطنيا غير قابل للمزايدة ولا للمتاجرة!” وهو الذي كان بالأمس القريب له موقف مناقض تماما لما هو عليه اليوم؛ فسبحان مبدل الأحوال..
أكيد أن لبعض الجمعيات الحقوقية تاريخا نضاليا، لكن نضالها كان من أجل من القضايا التي تؤمن بها، وفي إطار قناعاتها ونظرتها الخاصة للكون والحياة والإنسان، هذه النظرة التي تشكل نقطة الخلاف الجوهرية بين من رضي بالله تعالى ربا ومشرعا، ومن يسعى إلى فصل السماء عن الأرض، وجعل الإنسان محور الكون، ويطبع مع مواثيق تفرضها دول الاستكبار بقوة الحديد والنار.
وإذا لم يضبط الإنسان المفاهيم، ويطلع بعمق على أدبيات ومرجعيات من يختلف معهم، ويتخذ قراراته بناء على تأصيل علمي متين، فإن تصوراته تكون في الغالب سطحية، ومواقفه انطباعية، وخرجاته على هذا المنوال الذي نتحدث عنه، وإذا كان اليوم أبو حفص قد انتقل من اليمين إلى اليسار بسبب ردود أفعال، فلا يستبعد أن ينتقل غدا إلى وجهة أخرى، للأسباب ذاتها.
وإن غدا لناظره قريب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *