الشباب ومواجهة التحديات المعاصرة كيف نستفيد من طاقات شبابنا اليوم؟ ذ. عبد العزيز وصفي

سؤال ليس من السهل الإجابة عنه في هذه الومضة العاجلة، لكننا نلمح للجواب عنه في إشارة عامة من خلال بعض التوجيهات والتنبيهات التالية:
أولا: بالتوجيه الصالح وبالخطة السليمة: يمكن الاستفادة من هذه الطاقات الشبابية ومن مميزاتها الخصبة، واستغلالها في بناء الشخصية الإسلامية المطلوبة.. حتى يصبح شبابنا نسخة مشابهة لحياة الشباب الرساليين المجاهدين كعمار بن ياسر، ومصعب بن عمير، ومالك الأشتر وعلي بن الحسين الأكبر وغيرهم.
أما إذا أهملنا الشباب في هذه المرحلة الخطيرة أو أسأنا التعامل مع سماتهم ومميزاتهم الفكرية والنفسية، فقد نبتلى بجيل منحرف فاسد، يضل الطريق، ويضيع الهدف، ويحطم مستقبل الأمة .
ثانيا: إن الشباب يعاني ضغطاً ثقافياً عالمياً متسلِّطاً، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، لا يعرف كيف يواجهه، وكيف يتعامل معه؟
وهنا يحتاج إلى التوجيه والإرشاد والتثقيف الإيجابي حتى يتغلب على مشاكله وتحديات العصر المحيطة به من كل جانب.
ثالثا: إن كثيراً من الشباب يعاني جفافاً روحياً قاتلاً، لا يعرف كيف يزكِّي روحه، ولا يعرف كيف يتمتَّعُ بالاطمئنان والاستقرار النفسي.
ومن هنا فكثير من الشباب يعاني اختلالاً في الاتزان النفسي، واضطراباً في السلوك، بسبب واقع الحياة الاجتماعية المعاصرة.
إن الشباب لا يعرف كيف يحلُّ مشكلة التناقض السلوكي في المجتمع، بين ما يسمع من الخير، وبين الواقع التطبيقي.
لقد فقد الشباب القدوة الصالحة الكاملة التي تملأ العين إذا نظر، وتملأ النفس إذا احتك بها وعاشرها. لقد فقد القدوة في كثير من المربين، من: الآباء والمعلمين والعلماء.
والملاحظ للواقع المعاصر على المستوى المحلي والعالمي يشهد بانحرافات هائلة في الشباب، ومفاسد يقعون فيها لا حصر لها، حتى اقترن وصف الشباب بالضياع، والمخدرات، والعقوق، والتمرد، وسوء الأدب، والاندفاع، والفساد في الأرض.
وما ذلك إلا لسوء التربية التي تتحمَّلها جميع مؤسسات المجتمع المقصِّرة: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والإعلام، وغيرها.
إن الشباب المعاصر يعاني أزمات حادَّة قاسية، تكاد تكون مستديمة لا تنقطع، يمرُّ بها غالب الشباب المعاصر.
إن الشباب يعاني جهلاً بالدين في كثير من المسائل العقدية والفقهية، مما قد يُوقعه في كثير من الانحرافات والأخطاء.
إن هذه المشكلات والتحديات -وغيرها كثير- والمعاناة المختلفة التي يعيشها غالب الشباب المعاصر هي المسؤولة عن انحرافاتهم المختلفة تجاه الجرائم السلوكية والأخلاقية، وكذلك تجاه التطرف الديني المقيت.
يا معشر الشباب أنتم رأس مال هذه الأمة، ويا أيتها الفتيات أنتن أساس صلاح المجتمع، مهما تكن الظروف كالحة ومظلمة، فلا عذر لكم أمام الله تعالى، وقد أنزل إليكم كتابه العظيم ولم تتخذوه نبراساً وهادياً إلى سبيل الخير، ولا عذر لكم وقد تركتم سنة رسولكم الأعظم صلى الله عليه وسلم.. ولا عذر لنا جميعاً، ونحن نعلم أن مستقبل أمة الإسلام وريادتها للبشرية مرهونٌ بتطبيق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن مما يجب أن يعرفه الشباب أن انحرافات المجتمع من حولهم ليست عذراً له في انحرافاته وأخطائه؛ فهو مكلَّف شرعاً، فقد أجمع العلماء على أن من بلغ الحلم فهو مكلَّف بالكتاب والسنة، ومسؤول عن تصرفاته، ومحاسب شرعاً عن أعماله ومقاصده.
ولهذا خصَّ الإسلام مرحلة الشباب بمزيد سؤال، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَمَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ) .
ومن هنا فلابد للشاب أن يسعى بنفسه نحو العلم النافع، والبحث عن الصواب من الأقوال، والتمييز بين الخير والشر.
ولابد أن يعمل بما علم من الخير والصواب، وأن ينفع نفسه وأهله ومجتمعه، وأن يسعى بالإصلاح لا بالفساد. وبذلك يتحقق فيه قوله تعالى -وهو أصدق القائلين- ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)﴾ .
نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين، ويردهم إلى دينهم مردا جميلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *