الإصرار ومقاصده التربوية عبد الحفيظ حميش

لا شك أن كل شيء في هذا الكون له مقاصد وأهداف، قد ندرك بعقولنا البسيطة بعضها وتغيب عنا كثير من الأسرار والحكم التي يعلمها الله تعالى، ليبقى عقل الإنسان دائم التدبر والتفكر في كل شيء ليستخلص العبر والمقاصد التي من أجلها كان هذا ولم يكن شيئا آخر، لذلك اخترنا لموضوعنا هذا الإصرار ومقاصده التربوية وسأجمل ذلك فيما يلي:
1- الإصرار ركن أساسي لبلوغ الهدف:
إن التألق في الحياة مبني أساسا على الإصرار من أجل النجاح، كثيرا من الناس يعتقدون بأن النجاح مرتبط بالأشخاص الأذكياء، بينما الفشل مرتبط بالناس الأغبياء؛ لكن هذا الادعاء لم يعد له وجود في ظل نظرية الذكاءات المتعددة التي أثبتت بأن ليس هناك إنسان ذكي والآخر غبي، فكل شخص إلا وله مجال يبدع فيه إذا ما وافق ذكاءه وقدراته، وبالتالي: فالذي ينبغي البحث عنه هو المجال الذي يوافق القدرات والميولات والرغبات التي تختلف باختلاف الأشخاص، وفي هذا المقام أسوق قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق النظرية السابقة الذكر بمآت السنين، وإليك قوله الواضح البين: (كل ميسر لما خلق له) من هنا يظهر بأن الناس يفتقر بعضهم إلى بعض فإذا ما أنت عرفت شيئا غابت عنك أشياء.
2-الإصرار تحدي للنفس:
إن الإخفاقات والمنعرجات التي يواجهها الإنسان في الحياة لا تحد ولا تعد، ولذلك كان الإصرار مقصدا أساسا لتجاوز ذلك، فالإنسان المسلم مطلوب منه عدم اليأس مهما كانت الهموم والغموم، ومهما تفاقمت وتراكمت المشاكل، فكل ذلك على المسلم يسير، إذا صبر واحتسب ذلك لله تعالى، وجاهد مع نفسه ألا يتسرب إليها الإحباط واليأس لأن هذا ليس من شيم المؤمنين والمسلمين قال تعالى: (إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون) يوسف:87.
3-الإصرار يربط العبد بربه:
إن من مقاصد الإصرار أن يبقى الإنسان دائما قلبه مرتبط بالله ومع الله، وكم هي الأمور التي كنا نخفق فيها ونظن بأن ذلك كان نقمة وليس نعمة، وبعد أيام وشهور ظهر بأن ما كنا نحسبه نقمة هو في حقيقة الأمر نعمة، وهنا يقول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة:214.
4- الإصرار شرط أساسي لقبول التوبة: ليس من العبث أن يجعل الإصرار شرطا مهما لقبول توبة العبد، فكلما ألح العبد في توبته إلى ربه كل ما ازداد ذلك قربا وخشية من الله تعالى وفي الحديث الصحيح (إن الله يحب العبد الملحاح) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
5- الإصرار سنة من سنن الله في الكون : إن المتأمل في مخلوقات الله يدرك بأن الكثير من الكائنات التي تثابر وتصابر من أجل الحياة مرة تخفق وتسقط إلى الدركات، ومرة أخرى تنجح وتتسلق إلى أعلى الدرجات، لنعلم يقينا بأن النجاح والفشل من سنن الله تعالى على حد سواء، فالموفَّق للنجاح هو الذي يوفق للفشل، وليس كما نسمعه يشاع ويذاع إن الذي ينجح يوفقه الله والذي لم ينجح لم يوفقه الله، فالتوفيق من الله يكون في السراء والضراء، فالإنسان حين ما يقوم بمجهود ويعمل من أجل بلوغ هدف ما ولم يصل إليه؛ فليعلم يقينا أن ثمة حكمة الله، أدركها من أدركها، وجهلها من جهلها، وأن من رحمة الله تعالى حين ما يحول بين ما يريده عبده وما يريده سبحانه، فلا شك أنه لا يكون إلا ما قدره الله أن يكون، ولعل الحديث النبوي الشريف واضح في هذا المعنى.
وخلاصة الكلام أن كل شيء في الوجود له مقاصد وغايات، لذا فالمطلوب من المرء الإسرار في العمل من أجل تحقيق الهدف المقصود سواء تعلق الهدف بأمور الدنيا أو بأمور الآخرة، وليس عبثا أن يجعل الله هدف مخلوقاته مرتبطة بهدف واحد ووحيد وهو عبادته سبحانه وتعالى المشار إليها في قوله (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) الطور:56.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *