انطباعات حول المغرب (1913) (1/2) ذ. إدريس كرم

 

 

نقدم فيما يلي انطباعات كومندار الاستعلامات تيريري حول المغرب:

“دوى المدفع من جديد بفاس، لكن هذه المرة لم يكن إلا لإعلان الفرح وليس من أجل دفع أهل فاس للإسراع بإغلاق الأبواب تحسبا لعمليات النهب والسلب أو الهروب للنجاة من القتل في شوارع المدينة ودروبها الملتوية، حيث المجمعات الكبيرة للصناعة والتجارة.

لقد دوى من أجل إعلان قدوم المقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي للعاصمة، الذي لم يعد لها منذ أن غادرها في يوليو 1912م.

يا له من تغيير جدي في الشهور الإثنتي عشرة الأخيرة!!

في السنة الماضية كان وصول الجنرال ليوطي لفاس بعد الحوادث المؤسفة التي وقعت بالمدينة في 17 أفريل 1912، حيث كان المسافرون الفرنسيون يسيرون في الدروب الملتوية في هدوء، مستحضرين في كل ساعة مع الأسف الذكرى المؤسفة، ويقارنون مع الثورة وسطو القبائل المجاورة عليها.

كثير من الموجودين بحاشية الجنرال كانوا يؤمنون بأن فاس قد ضاعت من القبضة الفرنسية، ولن تسترد إلا بضربة قوية تؤدي لإخلائها من أجل إنقاذ الوضع بالمغرب.

يوم آخر أقامت جموع كبيرة من الفاسيين بطريق باب الساكمة مظاهر للزينة والاحتفال أمام القائد الفرنسي وهو يتجول بين المتاجر والأسواق.

أثناء هذا الاستقبال كان الجنرال ليوطي قد محص نوع المجهودات العملية الواقعية التي اعتمدها في ناحية فاس هذه، عندما كانت في السنة الماضية الحرائق مشتعلة في كل مكان، والتي أديرت بمهارة وضغطت على المتظاهرين بالقوة المستخدمة.

لقد محص مجددا أثناء استقبال المسؤولين بفاس رغبتهم في مساعدتنا لهم؛ أخ السلطان وخليفته مولاي المهدي ووزيره سي عبد الله الفاسي الذي حمل بفخر وسام الشرف الفرنسي، وباشوات المدينة وقياد الناحية والقضاة والعلماء والشرفاء والأمناء، حضروا تباعا لتحية الجنرال، وكلهم في خطبهم لم يتحدثوا إلا على حالة المحاصيل والطرق التي ستفتح، وغلاء المعيشة، وأيضا ضرورة اقترانها بدون شك عند مدير مالية الحماية في فرض الضرائب، وعلاقة ذلك بالجماعة الجبلية الصلبة، التي بها نهاب مسلحون قام الضباط في السنة الماضية برفع الضرائب عليهم وهم بجوار أسوار المدينة، مما جعلهم يقومون ضد أولئك الضباط بقوة السلاح.

ومع ذلك جاؤوا اليوم في علاقة صداقة ووفاء مع ضباطنا، وهذه مسألة أخرى، خضوعهم وهدوؤهم في حد ذاته شيء كثير.

الذئاب قالت بأنه منذ ثلاثة عشر شهرا لم تأتنا خراف، لكن كلاب الحراسة راضية بانتظام المعاش اليومي، وهو ما نريد ونعمل على دوام استقراره“.

الجنرال ليوطي لم تفته تهنئة مصلحة الاستعلامات بالجهة على نتائجها الطيبة.

القبائل التي سبق أن استقبلت “الترتيب” بإطلاق النار بمجرد إقراره، على الأقل التي توجد حول فاس، وكذا البعيدة عنه مثل اسلاس، وفشتالة، لا نطلب منها غير البقاء هادئة، واستقبال الكولون استقبالا حسنا كما فعل مع الكولونيل بيرون لما دخل ناحية مولاي بوشتة دون معركة، فاكتشف غناها وروعتها، ناحية بها أشجار زيتون ضخمة وبساتين مسقية ومنظمة.

القبطان ماص لاتربي تجمع لديه بمكتبه سابقا معلومات كثيرة بفضل قياده، ليست سياسية فقط وإنما اقتصادية أيضا، تأتيه كل شهر تقارير حول حالة المحاصيل وأثمانها والحالة الصحية لسكان القبائل وحاجاتهم.

فقد كانوا يطلبون خاصة أن يطوف عليهم الأطباء بمرافقة عرفاء يختارهم قائد اسجع، وقد صرح هذا الأخير مثلا بأن ممرض المركز الصغير للمراقبة بعين الشكاك قام بجولة في القبيلة يقدم فيها الإسعافات للسكان حتى صار معروفا لديهم، وقد طالب بتكرار ذلك منه كما طالب بإنشاء طرق وقناطر، وتوسيع منح الأمان لجذب السكان لتقديم الولاء والخضوع للحكومة.

فبفضل السلم المخيم الآن الناجم عن السياسة الحيوية للجنرال كورو الذي واصل الضغط منذ 1912 لتحويل ناحية فاس فضاء للهدوء والقضاء على الاضطرابات التي كانت بالعاصمة في السنة الماضية، وسيمتد للسنوات القابلة.

كيف يتصور أنه بعد مرور اثنتي عشر شهرا بعد ربيع وصيف مضطربان في 1912، صارت العربات وحتى المسافرون الفرادى بإمكانهم التنقل في الطرقات دون حراسة، وأصبح الأوربيون يتجولون في شوارع فاس بمفردهم من غير أن يروا المتعصبين الذين استنفدوا دعواتهم على الرومي الذي يمر بجانبهم أو يبصقوا على الأرض التي وطئها، كسلوك تقليدي غريب للتطهير!!

لم ينفك ليوطي على التأكيد أمام الأهالي اتفاقه مع السلطان مولاي يوسف لبلوغ أحسن النتائج، وقد ترجم ذلك في البرقية التي بعث بها له في مراكش والتي جاء فيها:

“وصلت أمس لفاس، وأحيط علم جلالتكم بأني وجدت هذه العاصمة والبلاد المحيطة بها في حال من السلم والأمن بعد انفجار الاحتجاج المؤسف للقوات الذي دمر البلد منذ سنة أمام الأعين، والذي تم استيعابه منذ تولي جلالتكم العرش.

جميع رجالات المخزن والأعيان والممثلين الذين قدموا لزيارتي اليوم تحدثوا لي عن جلالتكم بحب وتعلق خاص أشاركهم فيه، وقد أبهجهم النجاح الذي نقل لهم عن تهدئة سوس الذي كان له دوي كبير هنا”.

إحدى غرائب فاس هو إعادة تنظيم المجلس البلدي أو المجلس مع المحافظة على طابعه التقليدي وذلك في شهر يوليوز الأخير 1913.

فاس تضم ساكنة مكونة من 90.000 مسلم، 7000 إسرائيلي، 500 أجنبي، 150 فرنسيا، ما مجموعه 100.000 نسمة.

سينمي الفضاء الفسيح المتشابك الدروب لتسهيل اختراقها من قبل السياح بفضل تصميم من وضع ليوطنا أورتليب من الوحدة الرابعة قناصة.

تنصيب المجلس سيسمح بإيجاد الوسيلة السهلة الأمثل التي يتفق عليها، وهو مختار يترأسه الباشا وضابط من مصلحة الاستعلامات مراقب، مكون من 15 عضوا أصواتهم استشارية، فيهم 7 موظفين و8 أعيان، اثنان من كل مقاطعة (الدوح، اللمطيين، الأندلس، فاس الجديد)، مكلفون بمسؤولية إدارة احترام كل الأشغال العمومية المتعلقة بصحة ونظافة المدينة (وصف الكاتب المجلس ببني وي وي).

قال مترجمه وقد أصدر المجلس نشرة رأي فاس بالعربية جاء في عناوين بعضها:

بتاريخ 7 يونيو الموافق لفاتح محرم ما يلي:

واد زم: دخلت جماعة من نهاب آيت ربع إلى قصبة تادلا ليلة 5 يونيو للتشويش على الذين دخلوا تحت لواء المخزن السعيد، وعلى المحلة النازلة هناك بدون أن يشعروا بالشرك المنصوب وهو أن بعض الجنود كانوا ماشين في ذلك المحل، فمات من الفُعال منهم أحد عشر نفرا، وجرح اثنان وعشرون، وأسر أحد عشر، كما أنهم تركوا أربعة عشر بهيمة وخمس مكاحل اخماسيات.

قصبة امسون: بلغنا من روايات متعددة أن بطانة الشنكيطي يحرضون عليه الانضمام إلى حركة اولاد ورغين، غدا تاريخه، والضرب على الجنود الفرنسوية يوم الأحد القابل، لكنه اعتذر لهم بقلة المحاربين، وطلب التأخير للزيادة في جنوده السعيدة.

هذا وقد وقع خلاف بين القبائل المجاورة إلى تازة أدى بهم إلى طلب بعض منهم، وبالخصوص من هوارة حماية الجنود الفرانسوية لهم وتركوا في قصبة امسون.

بني امطير: قد تحقق لدينا أن الزعيم وآيت مطير وبني امكيلد فروا إلى جانب كيكو، بائعين جلباب الحياء والشجاعة، فكانت فضيحتهم أكثر، لأن بعض الجماعات من الباقين اتفقوا على تعيين رؤساء حربيين غيرهم”.

8 يونيو الموافق 2 رجب:

مدريد: جاء من العرائش أن الحالة في تلك البلدة وتطوان مقلقة كثيرا.

رباط الفتح: بمجرد وصول خبر قتل أربعة من المهندسين السبنيوليين وجرح إثنى عشر بين أصيلا والقصر، خرجت محلة باهظة تحت نظر الكولونيل سيلفاسطير إلى تلك النواحي.

قصبة امسون: ليس في استعدادات الزعيم الشنكيطي ما يشوش بال الفرنساويين، لأنه مشتغل بتنظيم مخزنه ونهب رعية غيره، حتى أغضب البرانيس وغياتة، وصاروا يقولون إنه لا يصلح لرياسة الحروب” (إفريقيا الفرنسية 1913/ص256).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *