التائب من الذنب كمن لا ذنب له

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) ابن ماجة (4250) وقال الحافظ في الفتح (13/471) إسنده حسن، وحسنه أيضا السيوطي في الجامع الصغير (3386)، والألباني في صحيح الجامع (3008).
معنى الحديث: أن العبد إذا أذنب ذنبا ثم تاب منه توبة نصوحا وأقلع عنه وندم واستغفر ولم يعد إليه تاب الله عليه، وعامله معاملة من لم يذنب، بل وبدل سيئاته حسنات وأحبه وجعله من عباده المتقين؛ لأنه إنما تاب إلى ربه وأناب لمحبته لله وحرصه على رضاه وخوفه منه، وتلك صفات المتقين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته”. انتهى من “شرح العمدة” (4/39).
وقال أيضا: “التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ؛ بِخِلافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (33/35).
وقال ابن القيم رحمه الله: “ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ؛ فَمَنْ لَقِيَهُ تَائِبًا تَوْبَةً نَصُوحًا لَمْ يُعَذِّبْهُ مِمَّا تَابَ مِنْهُ، وَهَكَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ لَمْ تُسْقِطْ تَوْبَتُهُ عَنْهُ الْحَدَّ لئلا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ حُدُودِ اللَّهِ” انتهى من “إعلام الموقعين” (3/115).
وقال أيضا: “وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَى، أَنَّهُ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ تَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (ُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزُّمَر/ 53.
فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ خَاصَّةً” انتهى من الجواب الكافي (ص:165).
وقال أيضا: “فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا محي أثر الذنب بالتوبة صار وجوده كعدمه فكأَنه لم يكن” انتهى من طريق الهجرتين (ص:231).
وقال القاري رحمه الله: “اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ، فلا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَتَرَتُّبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى:25، وَلَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ وَوعْدِهِ” انتهى من “مرقاة المفاتيح” (4/1637).
فنبادر جميعا بتوبة نصوح..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *