من أوصاف وشيم الكرام، صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أفادتها آيات كتاب ربنا:
– التراحم والتآزر والتعاون فيما بينهم
قال الله تعالى: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” الفتح 29.
قال الشيخ عبد الرحمان السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم “كزرع أخرج شطأه فآزره” أي: أخرج فراخه فوازرته فراخه في الشباب والاستواء، “فاستغلظ” ذلك الزرع، أي: قوي وغلظ… كذلك الصحابة رضي الله عنهم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم.
فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه قد لحق بالكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه فآزره فاستغلظ. ولهذا قال تعالى “ليغيظ بهم الكفار” حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال ومعامع القتال”1.
ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه، في رواية عنه، تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم، في ذلك.2
– الإكثار من ذكر الله وملازمته بكرة وعشيا ابتغاء وجهه سبحانه وتعالى
قال تعالى: “وَاصْبِرْ نَفْسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهه” الكهف 28.
وهؤلاء هم فقراء الصحابة وضعفاؤهم، كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود رضي الله عنهم؛ إذ أن أشراف قريش طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحدهم ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه مثل هؤلاء، فنهاه الله عن ذلك فقال “وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ” 7.
روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص، قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: أطرد هؤلاء، لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لستُ أُسمَيهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل “وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ”)3.
– الصدق في نصرة دين الله والتضحية في سبيل ذلك بما يملكون من أهل وأموال وأوطان
قال تعالى: “لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ” الحشر 8.
والمهاجرون هم طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن سبقوا إلى الإسلام وهجروا المحبوبات والمألوفات من الديار والأوطان والأحباب والخلان والأموال، رغبة في الله ونصرة لدين الله ومحبة لرسول الله. فهؤلاء هم الصادقون”5، أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين6.
وللبحث بقية
ـــــــــــــــــ
1 ـ تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان 3/213.
2 ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير 7/243.
3 ـ أنظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 5/92.
4 ـ صحيح الإمام مسلم:2413.
5 ـ تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان 3/311.
6 ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 8/44.