ماذا قال القرآن الكريم عن السنة (3): نور الدين درواش

الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أنها من طاعة الله -تابع-

 ما يزال حديثنا موصولا عن قول الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).

قال الشوكاني: ” فيه: أن طاعة الرسول طاعة لله، وفي هذا من النداء بشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو شانه وارتفاع مرتبته ما لا يقادر قدره، ولا يبلغ مداه، ووجهه: أن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به، ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه”([1])

وقد أعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في ما رواه الإمام أحمد عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” يَا هَؤُلَاءِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ؟ ” قَالُوا: بَلَى نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: ” أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ؟ ” قَالُوا: بَلَى نَشْهَدُ أَنَّهُ مَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَأَنَّ مِنْ طَاعَةِ اللهِ طَاعَتَكَ، قَالَ: ” فَإِنَّ مِنْ طَاعَةِ اللهِ أَنْ تُطِيعُونِي، وَإِنَّ مِنْ طَاعَتِي أَنْ تُطِيعُوا أَئِمَّتَكُمْ، أَطِيعُوا أَئِمَّتَكُمْ، فَإِنْ صَلَّوْا قُعُودًا فَصَلُّوا قُعُودًا “([2]).

قال العلامة أبو العباس القرطبي:” وقوله من أطاعني فقد أطاع الله، هذا مُنتَزَعٌ من قوله تعالى: {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ} وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا كان مُبَلِّغًا أمر الله وحُكمَهُ وأمر الله بطاعته؛ فمن أطاعه فقد أطاع أمر الله ونفّذ حكمه”([3]).

قال السندي:” قَوْلُهُ: (مَنْ أَطَاعَنِي) يُرِيدُ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ فَمَنْ أَطَاعَهُ فِيمَا بَلَّغَ فَقَدْ أَطَاعَ الْآمِرَ الْحَقِيقِيَّ وَمِثْلُهُ الْمَعْصِيَةُ وَهَذَا مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80] لَكِنَّ سَوْقَ الْآيَةِ فِي نَسَقِ الْمَعْصِيَةِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ وَبَالُ مَعْصِيَتِهِ إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْبَلَاغُ لَا الْحِفْظُ فَوَبَالُ الْمَعْصِيَةِ عَلَى ذَلِكَ الْعَاصِي”([4]).

مثال للتقريب:

ونحن نشبه ونقول إيضاحاً لهذا الالتزام: إنه في العرف الدبلوماسي يعبرون بقولهم: تبادل السفراء بين الدول؛ لأن الدولة لا تتعامل مع الدولة بأن يأتي وزراء الدولة كلهم إلى وزراء الدولة الأخرى بكل حاجياتهم، ولكن يختار رئيس الدولة مبعوثاً عنه يسمى سفيراً، فيأتي ويقدم أوراق اعتماده إلى الدولة التي هو سفير فيها، وبعد ذلك يكون سفيراً رسمياً بين الدولتين، وكل ما يأتي به هذا السفير من دولته إلى الدولة التي هو مبعوث إليها يكون كلامه لا باسمه الشخصي ولكن باسم دولته ورئيسها، فإذا قبلت تلك الدولة ما جاءهم بها كانت العلاقة حسنة وتواصلت الروابط الدبلوماسية، وإذا رفضت ما جاء به كان تعكر الجو السياسي، وسحب كل بلد سفيره، وربما قطعوا العلاقات الدبلوماسية، لأنهم رفضوا ما جاء به السفير من عند دولته، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بأوراق اعتماده من المعجزات الباهرات حسياً ومعنوياً ([5]).

* الآية الرابعة: قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) [الأنفال:20].

قال العلامة الآلوسي:” وأعيد الضمير إليه عليه الصلاة والسلام لأن المقصود طاعته صلّى الله عليه وسلّم، وذكر طاعة الله تعالى ‌توطئة ‌لطاعته وهي مستلزمة لطاعة الله تعالى لأنه مبلغ عنه فكان الراجع إليه كالراجع إلى الله تعالى ورسوله”([6]).

الآية الخامسة: قوله تعالى:( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54].

وهذه آية أخرى يتأكد من خلالها الأمر للأمة بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد طاعة الله عز وجل.

الآية السادسة:  قوله تعالى🙁 يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33].

ففي هذه الآية أيضا وغيرها مما سبق أمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، “وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله، فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه. وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن. إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله”([7]) وفي هذا رد على كل من زعم أنه يسعه الاكتفاء بالقرآن والاستغناء به عن السنة النبوية.

الآية السابعة: قوله تعالى: (قُلۡ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ) [آل عمران:32].

ففي هذه الآية أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم مع طاعة الله وبين أن الامتناع عن طاعتهما  سبيل الكافرين الذين لا يحبهم الله عز وجل.

الآية الثامنة: قوله تعالى (‌وَأَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ )[آل عمران: 132]

وفي هذه الآية أمر الله عز وجل بطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم أن ذلك سبيل تحصيل رحمة الله عز وجل.

الآية التاسعة: قوله تعالى: (‌وَأَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [الأنفال:1]

وفي هذه الآية بين الله عز وجل بعد الأمر بطاعته وطاعة نبيه أن ذلك برهان الإيمان ودليله.

يتبع بحول الله

—————————————————–

([1]) – فتح القدير(1/565)
([2]) – رواه أحمد (5679) وصححه الألباني في التعليقات الحسان (2106).
([3]) – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/35).
([4]) – حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/5).
([5]) – هذا المثال من كلام الشيخ عطية محمد سالم في شرح الأربعين النووية مفرغ في الشاملة (4/5).
([6]) – روح المعاني: (5/175)
([7]) – محاسن التأويل 1. طبعة ابن حزم/السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *