شرح أسماء الله الحسنى: أسماء الله تعالى: الغفور، الغافر والغفّار ناصر عبد الغفور

 

مع أسماء أخرى من أسماء الله تعالى في هذه السلسة المباركة التي أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وذخرا لي يوم لقائه “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”:

إنها أسماء الله تعالى: الغفور والغافر والغفّار، وقد رأيت أن أدرس هذه الأسماء الثلاثة في باب واحد لاتحادها في الاشتقاق، ودلالتها على نفس الصفة لخالق الكون والآفاق.

وكما جرت العادة فستتم مدارسة هذه الأسماء عبر النقط التالية:

– ورودها في الكتاب والسنة.

– معناها في اللغة.

– معناها في حق البارئ سبحانه.

– آثار الإيمان بها، وهو المقصد والغاية من معرفة أسماء الله جل وعلا.

 

1- ورود اسماء الله تعالى الغفور والغافر والغفّار في الكتاب والسنة:

أ- ورودها في الكتاب العزيز:

ورد اسم الله تعالى الغفور في إحدى وتسعين أية، وورد اسم الغفّار في خمسة مواضع، وأما اسم الغافر فقد ورد في موضع واحد من القرآن الكريم.

وهذه بعض المواضع التي ورد فيها اسم الله تعالى “الغفور”:

– قال الله تعالى: “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(107)”-يونس-.

– وقال جل شأنه: “رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا(25)” –الإسراء-.

– وقال جل جلاله: “وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا(58)”-الكهف-.

– وقال تعالى ذكره: “إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(41)”-فاطر-.

– وقال سبحانه: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)”-الملك-.

وأما المواضع الخمسة التي ورد فيها اسم “الغفّار” فهي:

– “رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ(66)”-ص-.

– “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ(5)”-الزمر-.

– “تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)”-الزمر-.

– “وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)”-طه-.

– “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)”-نوح-.

وأما الآية الوحيدة التي ورد فيها اسم الله “الغافر” فهي قوله جل في علاه:

– “غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ(3)”-غافر-.

ب- ورودها في السنة:

– عن أبي بكر رضي الله عنه يرفعه: “قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم”-متفق عليه-.

– وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ثم يستغفرون ثم يغفر لهم و هو الغفور الرحيم”([1]).

– وعن حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع حدثه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد وهو يقول اللهم إني أسألك يا ألله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، قال: فقال: قد غفر له قد غفر له ثلاثا”([2]).

– وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -تصف حالا من أحوال رسول الله صلى الله علي وسلم-: “كان إذا تضور([3]) من الليل قال : لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض و ما بينهما العزيز الغفّار”([4]).

2- المعنى اللغوي:

الأسماء الثلاثة مشتقة من مادة غفر وتعني الستر والتغطية، فغفر ذنبه أي غطاه وستره، وغفر الرأس بالمغفر ستره.

– يقول ابن منظور رحمه الله تعالى: “وقد غَفَرَه يَغْفِرُه غَفراً ستره وكل شيء سترته فقد غَفَرْته ومنه قيل للذي يكون تحت بيضة الحديد على الرأْس مِغْفَرٌ وتقول العرب اصْبُغْ ثوبَك بالسَّوادِ فهو أَغْفَرُ لوَسَخِه أَي أَحْمَلُ له وأَغطى له ومنه غَفَرَ اللّه ذنوبه أَي سترها وغَفَرْتُ المتاع جعلته في الوعاء…”([5]).

– ويقول ابن فارس رحمه الله تعالى: “(غفر) الغين والفاء والراء عُظْمُ بابِه السَّتْر، ثم يشِذُّ عنه ما يُذكر. فالغَفْر: السَّتر. والغُفْران والغَفْرُ بمعنَىً. يقال: غَفَر الله ذنبه غَفْراً ومَغفِرةً وغُفراناً. قال في الغَفْر:

في ظلِّ مَن عَنَتِ الوُجوهُ له *** مَلِكِ المُلوكِ ومالِكِ الغَفْرِ

ويقال: غَفِرَ الثَّوبُ، إذا ثارَ زِئبِرهُ. وهو من الباب، لأنَّ الزِّئبِر يُغطِّي وجهَ الثَّوب. والمِغْفَر معروف. والغِفارة: خِرقةٌ يَضَعها المُدَّهِنُ على هامَته. ويقال: الغَفِير: الشَّعر السَّائل في القفا. وذُكر عن امرأةٍ من العرب أنَّها قالت لابنتها: “اغفِرِي غفيرَك”، تريد: غَطِّيه. والغَفِيرة: الغُفرانُ أيضاً”([6]).

والغفور والغفّار كلاهما صيغ مبالغة، أحدهما أبلغ من الآخر([7]).

———————-

([1] ) أخرجه الحاكم وصححه الألباني: في صحيح الجامع: 5243.

([2] ) رواه أبو داود في سننه وصححه الألباني.

([3] ) أي تلوى، والتَّضَوُّرُ التَّلَوِّي… – لسان العرب: مادة: ضور-

([4] ) أخرجه النسائي والحاكم وصححه الألباني: في صحيح الجامع: 4693.

([5] ) لسان العرب: مادة غفر 5/25.

([6] ) معجم مقاييس اللغة: 4/385-386.

([7] ) وسيأتي بيانه قريبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *