الحركة الوطنية المغربية تواجه مخطط الحكم المباشر سنة 1936م ذ. إدريس كرم

التقديم:

منذ تنحية ليوطي عن إدارة المغرب في مطلع العشرينيات، بدأت مخططات الحكم المباشر للمغرب باعتباره مستعمرة، والعمل الجاد على نقل إدارته من وزارة الخارجية الفرنسية إلى وزارة المستعمرات، وقد مثلت سنة 1936 ذروة بلورة ذلك المشروع، فقامت الكتلى الوطنية بمناعضته والمطالبة بالحريات العامة وتكوين الأحزاب والنقابات وإصدار الصحف.

وفيما يلي منشور الكتلة الوطنية في الموضوع وذلك في عهد المقيم بونصو 2/2/1936:

نص المنشور:

“الحمد لله وحده؛

البيان رقم 6 في مشكلة المجالس

حضرة الأخ الكريم:

ما زالت القضية تجري مجراها الإعتيادي، وما زالت موضوع الدرس ممن يهمهم هذا الشأن، أما المبعوثون الفرنسيون الثلاثة الذين كنا أنبأناكم عنهم سالفا، فقد رجعوا إلى المغرب آخر الأسبوع المنصرم دون أن ينتظروا متى تكتمل اللجان البرلمانية أعمالها، وذلك ما يدل دلالة واضحة على أنهم أخفقوا في سعيهم، وعلى أنهم لم يستطيعوا أن يهيؤوا في باريز الجو الذي فيه يصطادون.

وقد سبق للمسيو كرنيدي مبعوث لجنة الأمور الخارجية بمجلس الشيوخ أن نبههم إلى هذه العاقبة لو أرادوا أن يفهموا، فقد صرح لهم حين اجتمعوا به قائلا: (إن كثيرا من الفرنسيين ينسون أن المغرب ليس ميدان المصارعة في الإنتخابات الفرنسية، وأنه من الواجب علينا أن نحسب للمغاربة حسابهم كأنهم الأكثرية، ولأن لهم حقوقا سيحترمها البرلمان).

أما بباريز فإن لجنة المستعمرات وبلاد الحماية التي أدمجت هذه المشكلة في جدول أعمالها قد أخرت اجتماعها إلى يوم الأربعاء 26 يبراير، وستسمع في هذه الجلسة ممثلي النقابات الفرنسية بالمغرب، ثم تشتغل بدرس جميع التقارير التي عرضت عليها في مشكلة المجالس والخلاف القائم حولها، وتتخذ قرارها الأخير لتعرضه على وزارة الخارجية، كما ستدرس مشكلة طنجة وتأخر النفوذ الفرنسي في إدارتها بسبب الإتفاق الأخير المبرم بين الحكومتين الفرنسية والإسبانية.

وقد انتهزت كتلتنا مناسبة هذا الإجتماع فبعثت إلى رئيس اللجنة يوم الخميس 25 ذي القعدة البرقية التالية:

“نغتنم فرصة اجتماع لجنتكم، النظر في الخلاف الحاضر فنذكركم بوجهة نظرنا مع الإعراب عن رغبتنا في أن يعتبر أعضاء اللجنة جانب رأينا في مقرراتها، ونصرح بكل تأكيد أن مزاعم النواب الفرنسيين المحتجين ترمي إلى إنشاء نظام إداري مبني على الحكم المباشر يجعل المغرب مجرد مستعمرة، وإنا لنحتج بكل صراحة على هذه المزاعم ونعلن بأن مجلس شورى الحكومة الحالي القائم على الحكم المباشر يجب على الحكومة أن تبطله وتزود المغاربة بمجالس شورية قومية.

(ونظرا للثقة بروح العدالة التي تمثلونها فإنا نومن أن تحفظوا حقوق المغرب الشرعية، وذلك بالوفاء لما تقتضيه العهود التي التزمت بها فرنسا).

وقد كان يوم الجمعة المذكور أيضا موعدا للإجتماع الثاني للمجلس الأعلى للبحر المتوسط ثم وقع تأجيله ليوم السبت الموالي، وسينظر بوجه خاص في دراسة المسألة المغربية وعرض الحالة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لبلدان الشمال الأفريقي وبلاد سوريا، ثم النظر في الحوادث السياسية في الشرق الإسلامي ومبلغ تأثيرها على الأوساط المغربية، وقد استدعي هذه المرة للحضور في الجلسة سعادة المستشار السلطاني المسيو جيراردان الذي كنا قد تقابلنامعه في مشكلة المجالس.

وفي يوم 21 يبراير تقابل سعادة المقيم العام مسيو بونصو مع سعادة وزير الخارجية المسيو ابلاندان وتحادثوا مليا في متعلقات الإجتماع.

ولما علمت كتلتنا بخبر هذا الإجتماع وجهنا في الحين البرقية الآتية لكل من رئيس الوزارة ووزير الخارجية والمقيم العام والكاتب العام للمجلس الأعلى المذكور، ونصها:

بمناسبة انعقاد المجلس الأعلى للبحر المتوسط نجدد تذكير الحكومة بوجهة نظرنا الخاصة بالخلاف وننبهها للبؤس الشديد الذي يقاسيه المغاربة وما في ذلك من الأخطار، وما يستدعيه من التدابير المستعجلة لإنقاذ العناصر المغربية المهددة بالجوع وتحسين حالة المعيشة والشغل، ثم نعلن بكل تأكيد أن بوادر الإستياء المغربي أخذت تظهر بين أرباب الحرف والعَمَلة المغاربة في فاس ومكناس والرباط وذلك بإضرابهم عن الشغل وتقديمهم للولاة، مطالب تستحق كل العناية.

ونوضح لكم أن إنقاذ الطبقة العاملة لا يتم بمجرد رفض مطالبها ولا بتدابير وهمية أو الترحيل من موطن لآخر حسب خطة مدبرة، ولكن بالنظر في الحالة وتطبيق برنامج إصلاحي موافق لرغبات الأمة التي وقع عرضها في مطالب الشعب المغربي، ومن بين تلك التدابير المستعجلة، نذكر بكل تأكيد نظام الضرائب (لأنه مشط في تقديره وجائر في طرق استخلاصه)، ووجوب المقاومة العنيفة للإستغلال الذي يلاقيه الشعب من رجال الإدارة والشركات والأفراد.

ونلح كذلك في نشر التعليم وإصلاح العدلية المغربية، وتبديل السياسة الحاضرة بسياسة عادلة حرة، تسمح للمغاربة المحرومين من كل تمثيل ووسيلة للتعبير عن رأيهم بالمشاركة في تدبير شؤون بلادهم الخاصة، والتمتع بما للعناصر “الأوروبية واليهودية من الحريات”.

فاتح ذي الحجة 1354/24 يبراير 1936

كتلة العمل الوطني”.

(التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير، عبد الكريم الفيلالي ج9/ ص:332-333).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *