الارتماء في حضن الأجانب وتنفيذ مخططاتهم.. التهمة التي عجلت بعزل المولى عبد العزيز والخروج عليه ممثلوا مدينة فاس يستفتون العلماء في شأن السلطان

بعد السياسة الكارثية، للسلطان عبد العزيز، والتي أغرقت البلاد في مشاكل لاحد لها، رفع خمسة وعشرون من ممثلي مدينة فاس، سؤالا لكبار العلماء، حول الحالة التي وصل إليها السلطان، وما يترتب على ذلك من: خروج عليه وخلعه ونزع بيعته، جاء فيه:

“الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله الأبرار وصحابته المنتخبين الأخيار.

سادتنا علماء فاس كافة، سلام عليكم ورحمة الله. وبعد،

فلا يخفاكم ما حل بهذا القطر المغربي من احتلال بعض الأجانب جل نواحيه كتوات وفجيج وعيون بني مطهر ومدينة وجدة وثغر البيضاء، موضعا بعد آخر احتلالا نشأ عن اختلال

الأحكام وتقاعد الولاة عن الاستعداد وموالاتهم لبعض أجناس الأجانب حتى عقدوا معهم شروطا تؤدي إلى إدخال المسلمين تحت حكمهم، وبسط يد التصرف لهم في سائر القرى والأمصار بما تسبب عنه من إسقاط الأحكام الشرعية كإبدال الزكاة بالترتيب في سائر الإيالة، وإحداث البنك المؤدي إلى إدخال الربا في سائر المعاملات… وغير ذلك مما هو معلوم، لدى الخصوص والعموم، كاستلاف الأموال العظيمة من الأجانب وصرفها في غير مصالحها، زيادة على خلاء بيت مال المسلمين بعد عمارته، وإنزال البوليس ببعض المراسي الذي من أعظم دواهيه سلب السلاح من يد كل مسلم، وغير ذلك من الأمور التي يعلمها كل واحد من أبناء الإيالة المغربية، كتجهيز جيش وتوجيهه لمقاتلة الغزاة أهل قبيلة الشاوية، إعانة لجيش احتلال الدار البيضاء وانتصارا له، حتى تحققت الرعية بعجز أميرها القائم بأمورها عجزا كليا، ففرت منه القلوب وبقي الناس بسبب ذلك في سائر المدن والبوادي فوضى يأكل بعضهم بعضا… فما هو جوابكم عن هذا الداء العضال وما كيفية التخلص منه مع تحقق الاضمحلال. وكيف إن دام الحال على ذلك، وبقي الأمير منهمكا فيما هنالك، وهل يجوز خلعه مع تحقيق هذا كله أم لا. أجيبونا بما يخلص ربقتنا وربقتكم من أيدي بعض أجناس الأجانب مأجورين، والسلام.

في ثامن وعشرين ذي القعدة الحرام عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف”.

 

أعيان ووجهاء فاس يكتبون بيانا بمخالفات السلطان

وفي خطوة تعزيزية ومساندة لما أقدم عليه ممثلوا مدينة فاس، اجتمع أكثر من مائة رجل من أعيان مدينة فاس وأهل الحل والعقد فيها، وأصدروا بيانا يشهدون فيه بالمخالفات التي وقع فيها المولى عبد العزيز ويستنكرونها، وهذا نص البيان:

“الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله، صلى الله عليه

وعلى آله وصحبه.

شهوده الموضوعة أسماءهم عقب تاريخه، وكلهم من أعيان فاس وشرفائها ورماتها ورؤسائها، وتجارها…  وغيرهم، يشهدون بأن الأمير -حينه- مولاي عبد العزيز؛ صدرت منه أمور منكرة شرعا وطبعا، من موالاته وميله لبعض أجناس الأجانب آناء الليل وأطراف النهار، وتبذير بيت مال المسلمين فيما لا يرضي رب العالمين، وتبديل الزكاة والأعشار بإحداث الترتيب، والبنك الموجب للربا الذي هو أعظم الذنوب، والاشتغال بما لا يرضي، حتى انحلت بسبب ذلك عرى الدين، وتفرقت جموع المسلمين، وأدى الحال إلى تمكين بعض الأجانب من بلادهم إلى أن استولى على توات ونواحيها وفجيج وعيون بني مطهر ووجدة والدار البيضاء، وكاد يستأصل بلادات المسلمين، وأعظم من ذلك كله: البوليس الذي فيه تحكم النصارى على رقاب المسلمين، ونزع سلاحهم من أيديهم حتى كادت تضعف شوكة الإسلام، وتصير إلى الانعدام، وقد جهز جيوشا للمجاهدين بالشاوية يقاتلهم حين قاتلوا جنس الفرنسيس لمجيئه للدار البيضاء، بإقراره في الظهائر المقروءة على المنابر، وفرت عنه جل رعيته، وبقوا فوضى… كل ذلك في علمهم بالمعاينة لما يعاين، والسماع الفاشي المستفيض، على ألسنة أهل العدل وغيرهم، وبمضمنه قيدت شهادتهم مسؤولة منهم لسائلها في غد التاريخ أعلاه. فاتح ذي الحجة عام 1325هـ”.

جواب العلماء بوجوب خلع السلطان

بعد طلب الفتوى من ممثلي مدينة فاس، وبيان الأعيان والشرفاء والرؤساء والتجار، جاء جواب العلماء بوجوب خلع السلطان عبد العزيز، وإقالته من مهامه وهذا نص الجواب:

“الحمد لله مبدل العسر باليسر، وناشر ألوية العز والنصر، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد محرز كل فضل وفخر، وعلى آله تيجان المجادة، وصحابته بدور السعادة.

أما بعد،

حمدا لله مستحق الحمد وملهمه، ومنشئ الخلق ومعدمه؛ فقد طالعنا سؤالكم حوله، وفهمنا ما احتوى عليه وحرزنا لفظه وقوله، فقولكم فيه: إن مولى عبد العزيز -أميركم- كان قد اشتغل بما يخالف السنة والقرآن، وعجز عن دفاع بعض الأجانب عن ثغور المسلمين، بل صدر منه ما أدى إلى تمكنهم بالفعل، حسبما ذلك مثبت بالموجب أسفل محوله ومتضح مبين، إلى غير ذلك من الأمور المنكرة، التي هي في صدور الكل مسطرة، هل هذه الأمور موجبة لعزله، وعدم نفوذ حكمه وقوله؟ فالجواب والله الموفق للصواب: حيث ثبت ما ذكر، فيجب عزله، وتولية غيره ممن يقوم بأمور المسلمين، ينفذ قوله وفعله، لكون إمامته لم تجر على القواعد الشرعية، بل ولا على الضوابط المرعية؛ لكون الإمام يعتبر فيه ما إن تقاعد عنه خُلع، وعن الإمامة العظمى دفع.

قال ابن سلمون: “الإمامة عبارة عن خلافة شخص للرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة قوانين الشرع وحفظ الملة، على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة، وشروطها المتفق عليها ستة…إلى آخر كلامه”.

وهذا المسئول عن خلعه خارج عن الضابط المذكور، إذ لم يجر على قواعد الشرع في جميع الأمور.

وقال البكي: “وبالجملة؛ السبب المتفق عليه: كل ما يختل معه مقصود الإمامة”.

قال رأس العارفين في حواشيه على البكي: “يدخل فيه العجز عن القيام بالمصالح، وينبغي اعتباره من حيث كونه نسبة وإضافة، بحيث يوجد أقدر منه فيولى”.

وفي “المواقف” وشرْحِها: “وللأمة خلع الإمام وعزله، لسبب يوجبه، مثل: أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين…الخ”.

ونقله الأيمة وسلموه؛ فيجب على المسلمين أن يبالغوا مجهودهم في دفع الضرر عن المسلمين، ولا يخفى أنه لا أعظم من استيلاء بعض الأجناس الأورباويين، كما يجب عليهم الانتقام ممن يركن إليهم ويواليهم، ويتحبب إليهم ويواتيهم. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51]…الآية.

قال بعض المفسرين: “كالنصرة لهم، والاستنصار بهم”.

وذلك المتولي والاهم وقاربهم، وأظهر العجز، وما تحرك للدفاع عن المسلمين ولو بغمز، بل سكت عن استيلاء بعض الأجانب على بلاد المسلمين؛ كالأماكن المذكورة في السؤال، ولا يخفى أنه لا تجوز شهادته إذا استولى على بلادات المسلمين -حسبما ذكره الشيخ الزرقاني لدى قول الشيخ خليل: “وللإمام المهادنة…إلى أن قال: إن خلا عن كشرط بقاء مسلم”. قال الزرقاني: “أو بقاء حرية المسلمين خالية لهم”.

والله سبحانه يلهمنا للصواب والقول الفصل، ويوفقنا لما يرضاه من القول والفعل”.

وثيقة خلع السلطان

بعد ذلك كتب العلامة عبد السلام غازي، والعلامة الأديب أحمد بن العربي البلغيثي الحسني، وثيقة خلع المولى عبد العزيز، فكانت على الشكل التالي:

“الحمد لله، بعدما وقع سؤال من ذكر أعلاه من أهل فاس، المقيدة أسماؤهم عقب السؤال أعلى الملتزم أعلاه، النائبين فيه عنهم وعن بقية أهل فاس، للسادات العلماء بذي الحضرة الإدريسية، المقيدة أسماءهم عقب الجواب؛ صدر محوله عن حكم الله تعالى في خلع الإمام أعلاه، وأجابوهم بما أجابوهم به حيث أشير استنادا منهم لما جلبوه من نصوص الأيمة رضوان الله عليهم، حسبما بالجواب المشار له، أشهد حينئذ السائلون المشار لهم، ومن لا يعد كثرة من أهل فاس الإدريسية، من فقهاء وشرفاء، وتجار وأعيان وغيرهم، أنهم خلعوا بيعة الإمام المشار له من أعناقهم، وأعلنوا بذلك لينظروا لأنفسهم من يقوم بأمورهم ويجتهد في مصالحهم، إشهادا وإعلانا تامين عارفين قدره وبأكمله، وعرف جلهم بالباقي، وفي متم الشهر أعلاه ألحق، وأعلنوا بذلك أقحم به، صح عبد السلام غازي، وأحمد بن العربي البلغيثي الحسني، بشكلهما ودعائهما”.

مبايعة سلطان جديد بشروط كتبها العلماء

وحرر العلامة ابن المواز نص بيعة المولى عبد الحفيظ، ثم قيدت هذه البيعة بشروط، أهمها:

– الحكم بالعدل.

– اتباع سياسة الحلم والفضل.

– رفع ما أضر بالأمة من الشروط الحادثة في الخزيرات (الجزيرة الخضراء)؛ حيث لم توافق الأمة عليها، ولا سلمتها، ولا رضيت بأمانة من كان يباشرها، ولا علم لها بتسليم شيء منها.

– إرجاع الجهات المأخوذة من الحدود المغربية.

– إخراج الجيش المحتل من المدينتين اللتين احتل بهما.

– تطهير المغرب من دنس الحمايات.

– عدم استشارة الأجانب في أمور الأمة.

– إذا دعت الضرورة إلى اتحاد أو تعاضد، فليكن مع إخواننا كآل عثمان وأمثالهم من بقية الممالك الإسلامية المستقلة.

– إذا عرض ما يوجب مفاوضة مع الأجانب في أمور سلمية أو تجارية؛ فلا يبرم أمرا منها إلا بعد الصدع به للأمة، حتى يقع الرضا منها بما لا يقدح في دينها ولا في عوائدها ولا في استقلال سلطانها.

– اتخاذ وسائل الاستعداد للمدافعة عن البلاد والعباد، لأنها أهم ما تصرف فيه الذخائر والجبايات، وأوجب ما يقدم في البدايات والنهايات.

– رفع ضرر المكوس.

– الذب عن حرمات رعاياه ودمائهم، وأموالهم وأعراضهم، وصيانة دينهم وحياطة حقوقهم.

– تجديد معالم الإسلام وشعائره، بزيادة نشر العلم، وتقويم الوظائف والمساجد، وإجراء الأحباس على عملها القديم، وانتخاب أهل الصلاح والمروءة والورع للمناصب الدينية.

– كف العمال عن الدخول في الخطط الشرعية، وترك ما أحدث من الجمع المستلزم لاستبداد الرؤساء بتنفيذ مراداتهم في القضايا والأغراض.

– جميل الصنع بشريف القرابة وتقريب الصالحين، واعتبار مقادير الأشراف وأهل العلم والدين، وإقرار ذوي الحرمة على ما عهد لهم من المبرات والاحترام، وظهائر الملوك الكرام.

هذه الشروط وضعها الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني كما في عدد من المصادر، وذكر ابن زيدان في الإتحاف 1/520: “وكان ذلك على شروط مندمجة في عقد البيعة وهي من إنشاء أبي العباس أحمد بن عبد الواحد بن المواز”. وهو تعبير يوحي بأن واضع الشروط هو ابن المواز نفسه.

الأحداث كما سردتها الرواية الفرنسية

كانت هذه هي الرواية المغربية من مصادر مختلفة، لتسلسل الأحداث قبل خلع السلطان عبد العزيز، ولابأس من الاستئناس برواية أخرى للأحداث، رواية من وجهة نظر أجنبية، أوردتها مجلة إفريقيا الفرنسية ص 36، سنة 1908، هذا نصها:

“أوردت وكالة هافاس مجريات الوقائع كما تمت بالضبط كالتالي: كان الانقلاب يهيأ من أمد طويل، من طرف الشريف الكتاني، الذي كان دائما معاديا لفرنسا والإصلاحات. الكتاني كان يظن أن الحركة تعمل لصالحه، لكن الجماهير خذلته.

سي إدريس الفاسي أرسل من الرباط برسالة شريفة إلى فاس، حيث وصل يوم 30 دجنبر 1907، في خضم المستجدات كانت الجموع مسلحة بالحجارة والعصي تحيط بالمسجد الذي ستقرأ فيه الرسالة، انقادت الجموع للكتاني الذي نشر الاحتجاج، الذي أحدثته الرسائل المحتوية على لهجة شديدة ضد أهل فاس، والتي طلبت من العلماء إصدار فتوى تجيز للسلطان عقد قرض.

في هذه الأثناء كانت هناك واحدة شريفة، هي التي قرأت في المسجد تضمنت فقط تشكرات السلطان لساكنة فاس على الحيوية والغيرة التي أبدوها، لوضع حد للاضطرابات الأخيرة، توجهت الجموع الموجودة خارج المسجد إلى ضريح سيدي عبد القادر التازي، وأعلنت استقلالها عن السلطان والعلماء، واستدعت العلماء للضريح واستمالوا سبعة من بين الذين بقوا في المسجد، وطلبوا منهم إظهار رسائل السلطان الطامع في العرش التي يخفونها، العلماء أنكروا توصلهم برسائل أخرى غير التي سمعوا وتحت التهديد طالبوا بالسماح لهم بالذهاب إلى حرم القرويين، فقبلت الجموع التي رافقتهم والتي قدرت ب 20.000.

السؤال الذي وجهته إلى العلماء هو: “سادتنا العلماء حفظكم الله، هذا الشخص المسمى عبد العزيز ضعيف القوة، لا سلطة له يتطلع إلى أعدائنا، ويطلب تأييدهم وسمح بإقامة بنك ربوي يعارض الدين، وحاد عن الشريعة، وأنشأ البوليس، واستلف المال وبلبل المغرب بإعطائه منطقة الصحراء وتوات ووجدة والدار البيضاء لفرنسا، وارتبط بالأعداء باطراد بحيث لم يعد مستقلا، ومخزنه عاجز”.

العلماء قرأوا الرسالة وأجابوا تحتها:

“إخوتنا الأعزاء سكان فاس لقد توصلنا بسؤالكم وسنجيبكم غدا، قرأ الزرواطي هذا الجواب على الجمهور الذي رفض الاستجابة للإمهال والتوقيت، وعلى إثر ذلك أمر الزرواطي الجنود بإشهار السلاح، الشريف الصيلي من ضباط صف جنود الزرواطي برتبة Adjudant، أظهر للعلماء مسدسا في يده، فطلبوا منه نصف ساعة من أجل الاجتماع، وسيستخرجون الجواب من وراء المنبر. هدأ جنون الجمهور، المقدر بحوالي 40.000 نسمة في انتظار الجواب مرابطين حول المسجد، خلال نصف ساعة، حيث دفع المتوعدون خارجا.

في المسجد ظهر العلماء أخيرا، بعد هنيهة، القاضي العراقي قاضي فاس تكلم بنصف صوته: “هذا الرجل عبد العزيز يستحق الخلع”، فرددت الجماهير بصوت واحد: “الخلع”، خيم صمت حزين، الزرواطي طلب من العلماء كتابة جوابهم وتوقيعه، فكان القاضي العراقي أول الموقعين، وتلاه باقي العلماء.

ضمن العدول الفتوى وأشهدوا عليها، ثم قام البراحون بالطواف في المدينة بإعلام الناس بخلع المولى عبد العزيز. مرَّ فاتح وثاني يناير 1908، في فوضى تامة، قائد الانقلاب عين مقدمي الحومات وحراس الأبواب الكتاني سعيد بنجاح المشروع.

وفي يوم 3 يناير اجتمع ممثلوا الجموع ورؤساء نواحي فاس الذين استدعوا لحضور الاجتماع، مع شرفاء وأعيان التجار، للاستماع إلى تصريح الكتاني بجامع مولاي إدريس، فنودي على مولاي عبد السلام المراني القائد السابق لمحلة القصر الذي تحداه الريسوني.

بعث المراني إلى المجتمعين كاتبه وابنه وأخاه، ونودي أيضا على كاتبين من كتاب الوزير الكبير، والجماهير مجتمعة حول المسجد.

ألقى الكتاني كلمة موجزة هاجم فيها عبد العزيز ونادى ممثلي الأمة طالبا منهم مبايعة سلطان للدفاع عن الوطن، ويعمل من أجل ازدهاره. فاقترح أخوه المناداة بمولاي حفيظ، بشرط أن يقبل، أحد مسني فاس صرح بأنه يستحيل المناداة بسلطان في هذه الأجواء التي لا يقبل لابها أحد.

أجاب الكتاني: “بيننا من يقبل المناداة به في هذه الأجواء”.

أحد العلماء رد: “الشريعة لا تسمح بإملاء الشروط على صاحب السيادة”.

أجاب الكتاني بحدة: “إذا لم يقبل هذه الشروط فلن يكون أميرا للمؤمنين”.

الجماهير صاحت: “نحن نطالب بتطبيق شريعة القرآن”، فكتب العلماء عقدا آخر باسم ممثلي الأعيان الموقعين، وهذه مضامينه:

“قوة عبد العزيز مدمرة، يحب النصارى، يقترض منهم، جميع سياسته ترتكز على تسهيل دخولهم للمغرب”.

في هذه الأثناء حضر قائد الشراردة وعامل فاس عبد الرحمن بن عبد الصادق، وكل موظفي المخزن، ووقعوا العقدين -عقد الخلع وعقد البيعة-.

أرسل مبعوثون إلى مولاي علي أحد أعمام عبد العزيز الذي يشغل مهمة خليفة السلطان بفاس، من أجل إعلامه بالقرار، فأجاب بأنه مريض، ورفضوا الحضور، العدول الذين أرسلوا أشهدوا عليه، عم آخر للسلطان بن عبد الهادي استدعي أيضا فرفض التوقيع قبل المراني، فأحاطت الجموع بداره مهددين إياه بالقتل، فحضر عبد الهادي إلى عين المكان مصحوبا بالعقدين الذين رفض توقيعهما، حيث وقعهما وانفضت الجموع من حول ذلك، انتخب من الجموع ثلاثين نفرا لحمل عقد البيعة إلى السلطان الجديد، مع هدية جديدة وتم تعيين المراني خليفة لمولاي حفيظ بفاس، وبعث بنسخة إلى الطريس بطنجة، كما عين الزرواطي باشا مؤقتا لها، والشيباني عين محتسبا محل التازي الموجود بطنجة، وبقي باشا فاس عبد الصادق نائبا للزرواطي”. (عن كتاب: الأدوار السياسية للعلماء؛ مصطفى الحسناوي).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *